هرب من أسرته من أجل التعليم'> التعليم.. ظلمه الخديوي سعيد.. وأنصفه إسماعيل
كتب - نعيم يوسف
من أرياف مصر، وبالتحديد في قرية برنبال الجديدة، التابعة لمركز دكرنس، في محافظة الدقهلية، ولد مبارك'>علي مبارك، عام ۱۸۲۴، من أسرة استطاعت أن تعلمه تعليما جيدا، وكان محبا للعلم، حتى أنه هرب من قريته ليلتحق بمدرسة الجهادية بالقصر العيني، ولكن بعد عام واحد ألغيت مدرسة الجهادية من القصر العيني، واختصت مدرسة الطب بهذا المكان، وانتقل مبارك'>علي مبارك مع زملائه إلى المدرسة التجهيزية بأبي زعبل، وكان نظام التعليم'> التعليم بها أحسن حالاً وأكثر تقدما من مدرسة القصر العيني.
تفوق منذ البداية
في مدرسته الجديدة، واصل " مبارك'>علي مبارك" تفوقه، حيث درس الجبر والهندسة والطبيعة والكيمياء والمعادن والجيولوجيا، والميكانيكا والديناميكا، والفلك، ومساحة الأراضي وغيرها، وكان أول دفعته، حتى اختير ضمن مجموعة من الطلاب النابهين للسفر إلى فرنسا في بعثة دراسية كانت تضم أيضا أربعة من أمراء بيت محمد علي: اثنين من أبنائه، واثنين من أحفاده، أحدهما كان الخديوي إسماعيل، ولذا عرفت هذه البعثة باسم بعثة الأنجال.
من مصر إلى باريس
عاش "مبارك" ثلاثة سنوات في باريس، درس خلالها المدفعية والهندسة الحربية، ثم التحق بعدهما بالجيش الفرنسي للتدريب والتطبيق، ولم تطل مدة التحاقه، إذ صدرت الأوامر من عباس الأول، بعودة مبارك'>علي مبارك واثنين من زملائه الملتحقين بالجيش، فعادوا جميعاً إلى مصر.
أعمال شاهدة على عبقريته
بعد عوده إلى مصر، أشرف على العديد من المشروعات، ولمع نجمه كثيرا عندما تولى زميله في البعثة الخديوي إسماعيل الحكم، حيث نفذ مشروعات صيانة القناطر الخيرية، وإعادة تنظيم القاهرة مرة أخرى، حيث قام بشق الشوارع الواسعة، وإنشاء الميادين، وإقامة المباني والعمائر العثمانية الجديدة، وإمداد القاهرة بالمياه وإضاءتها بالغاز، ولا يزال هذا التخطيط باقيا حتى الآن في وسط القاهرة، شاهدا على براعته، كما توسط في النزاع بين الحكومة المصرية وشركة قناة السويس، ونجح في فض النزاع بينهما.
المشروع الأعظم
رغم كل المشروعات العظيمة، إلا أن أعظم مشروع اشتغل به كان تطوير التعليم'> التعليم في مصر، حيث وضع مشروعا لإعادة تنظيم المدارس تبلغ ميزانيته خمسة آلاف جنيه، وكان مشروعه يقوم على تجميع المدارس كلها في مكان واحد وتحت إدارة ناظر واحد، وإلغاء مدرسة الرصدخانة لعدم وجود من يقوم بها حق القيام من أبناء الوطن، وإرجاء فتحها حتى تعود البعثة التي اقترح إرسالها إلى أوروبا فتديرها، وأدخل في برنامج التدريس مادة الهندسة، ولجأ إلى أبسط الوسائل التعليم'> التعليمية كالعصا والحبل لتعليم قواعد الهندسة، واستطاع أن يحول هذا المعلم المقتدر مشروع محو الأمية إلى ما يقرب من كلية حربية، وأنشأ دار العلوم، ورغم أنه تعرض للفصل التعسفي من سعيد باشا، إلا أن الخديوي إسماعيل أعطاه المكانة المناسبة له، وتولى ثلاث وزارات: اثنتين منها بالأصالة، هما الأوقاف والمعارف، والثالثة هي الأشغال العمومية.
تراث مستمر
أعماله وإنجازاته لم تأخذه من التأليف، حيث ترك عدة كتب مهمة، وهي: الخطط التوفيقية، في عشرين جزءًا يتناول مدن مصر وقراها من أقدم العصور إلى الوقت الذي اندثرت فيه أو ظلت قائمة حتى عصره، واصفًا ما بها من منشآت ومرافق عامة مثل المساجد والزوايا والأضرحة والأديرة والكنائس وغير ذلك، وكتاب "علم الدين" وهو موسوعة ضخمة حوت كثيرًا من المعارف والحكم، وكتاب تقريب الهندسة، وكتاب حقائق الأخبار في أوصاف البحار، وكتاب تذكرة المهندسين.
في عام 1891 قدم استقالته، بعد أن ترك العديد من الإنجازات التي تشهد بعبقريته، وسافر إلى بلده لإدارة أملاكه، حتى مرض، فرجع إلى القاهرة للعلاج، حتى توفى في 14 من نوفمبر 1893.