محمد حسين يونس
لأن الطبقات هناك إستقرت و لم تعد تعاني من الزلازل (الطبقية) التي شهدتها بلادنا منذ إنقلاب البكباشية ..و عندما يحدث صعود طبقي لأحدهم لا يحدث بالصدفة.. كما هوحال (النفو ريش ) في بلدنا ..
الطفل هناك سواء كان إبن ملك أو صعلوك .. يعامل علي أساس أنه ثروة قومية عليهم الحفاظ عليها و تعليمها و تدريبها .. حتي تصبح قوة منتجه فعالة .
علي جانب أخر ..إبن صاحب ( الكوربريشن) الصناعي في مرحلة بعينها يتدرب و يتعلم ..و يؤهل ليكون مديرا جديدا يطورالأداء و صاحب رؤية معاصرة أفضل من أبيه .
وهكذا كان حال إبن الإقطاعي صاحب الأرض في زمن سابق ..فهو عند مرحلة ما يبدأ تدريبة علي أن يسلك نفس السلوك الذى كانت علية أسرته ابا عن جد عن جد جد ..و يكتسب خبرات و حكمة طبقته بحيث يستحيل أن يصعد فجأة إبن الجنايني ليتولي إدارة العزبة .
ومع ذلك فمن حق أى مواطن أن يغير مساره الطبقي بجهده .. بالعلم و التدريب .. و الإبتكار .. و الإندماج في مجتمعه يصعد خطوة خطوة من خلال آليات عمل إجتماعي في وحدات القاعدة ينتهي به لأن يشغل أكبر منصب سياسي لو كانت لدية أو لديها الكفاءة لان يختارة الناخبون .
في بلدنا الطرق بين الشرائح الطبقية المختلفة أصبحت مسدودة.. بأبناء من يجلسون علي كراسي اتخاذ القرار ..و لا توجد أحزاب يسمح لها بتداول سلمي للسلطة .. فلا يبق علي المداود إلا أنصاف المتعلمين...من محدودى الكفاءة إن لم يكن منعدميها .و تتدهور البلاد .. علي كل درب من دروب الحياة .
لهذا عندما نتكلم عن المواطنه المتساوية .. و الفرص المتساوية .. فإننا لا نحلم مرددين شعارات الثورة الفرنسية ( حرية أخاء مساواة ) التى غيرت أوروبا و كفلت لها الأمان لتتطور سلميا.. بقدر ما نأمل .. أن نسير علي نفس الممر ..و هو الأمر المطروح علي أى مجتمع يريد أن يكون له دورة في تقدم البشرية .
الحفاظ علي القيم العليا ليست رفاهية للمترفين .. بقدر ما هي ضرورة للمتعسرين ... بإستطاعة الشاب أن يرقص أمام كل زفة و يطبل في المولد .. و قد يناله جزء من صحن الفته الميرى .. و لكن يظل غريبا .. بين أبناء الحكام ..مهما علا شأنه .
في زمن شبابنا كان التعليم هو البوابة الملكية للإنتقال الطبقي .. فكنا نحرص علي التفوق ..
و في زمن تال أصبح السلوك الإنتهازى و الرقص علي الحبال .. هو الوسيلة الناجحة .. فتقلصت قيمة التعليم ..
وفي زمن يليه أصبحت الدروشة و التجارة في الدين .. هي الباسورد لفتح مغارة علي بابا ..
و اليوم .. سدت جميع المنافذ فالحكام يريدون أن يعلموا عددا محدودا .. من أبنائهم تعليما متفوقا يديرون بهم التكية .. و يحولون الباقي لجيش من العاطلين يمثلون إحتياطي عمل تضرب به العمالة و يخفض سعرها و إمتيازاتها .
دعنا نأمل أن يأتي يوم الخلاص ويعي المجتمع .. و يمتلك آليات التعرف و التصعيد .. للمتفوقين .. ليقودوا الركب .
بدأ المحاضر الأمريكي كلمته .. بأن 60% من قوة العمل في بلده يتم توظيفها في مجال المعلومات ( إينفورمايشن ) ..
تخيلت أنني سمعت الرقم بصورة غير صحيحة .. فسالته ..60% .. (أومال) مين اللي بيزرع حقول القمح الأكبر في العالم .... ومين اللي بيصنع و يطور أسلحة الترسانة الأمريكية .. وبيربي قطعان المواشي و بيستخرج البترول .. وبيحارب في كل بقاع الأرض .. مين بيحرك أساطيل التجارة و السياحة .
قاطعني مبتسما .. فهذا الإعتراض بالضبط هو ما كان يحاول أن يقودنا إلية ..ليشرح آليات العمل في بلده .. بعيدا عن تصوراتنا لإسلوب توظيف الجهد البشرى التي قد تعود في أحسن أحوالها إلي القرن التاسع عشر .
أعداد قليلة جدا قد لا تزيد عن أصابع الكف الواحد تستطيع أن تزرع و تروى و تعتني بمحصول الاف الأفدنة بواسطة أدوات التكنولوجيا الحديثة و شبكات الاقمار الصناعية و الكومبيوترات والأبحاث الجينية التي ترفع الإنتاج إلي معدلات غير مسبوقة ..
من يعمل بالزراعة لا يزيد عن 1% من قوة العمل الأمريكية ينتجون ما يكفيهم من محاصيل .. و يجعلهم هذا في وضع تنافسي كاسح للأسواق العالمية .
المصانع اليوم .. لم تعد تحتاج إلي قوى عاملة .. بعد إنتشار (الأتوميشن) .. إن مصنع ضخم لإنتاج السيارات يعمل ليل نهار .. دون الحاجة إلا لعدد محدود .. من المراقبين لشاشات الكومبيوترات الخاضعة لنظام (إسكادا ) شديد الدقة .
مراكز البحوث وإتخاذ القرار تعمل بواسطة أدوات الذكاء الإصطناعي المتفوقة .. تخرج بعدد قليل من الباحثين .. نتائج مذهلة .
ثم إنتهي إلي أنه في عالم نهاية القرن العشرين أصبح صاحب المعلومة الصحيحة المدققة في الوقت المناسب هو القادر علي السيطرة علي العالم ..
و لذلك فمراكز المعلومات الأمريكية لا تنام ليلا أو نهارا إنها مربوطة بشبكات مركبة حول العالم ..
تستخدم فيها مشغلين من الهند و اليابان و أوروبا و الشرق الأوسط يقومون بنفس الوظيفة و الدور بنفس المستوى الفني الذى يقوم به نظرائهم في أمريكا دون الإحتياج للعمل 24 ساعة في اليوم لأى منهم .
خلال النصف الثاني من القرن العشرين .. تغير العالم ..لم يعد ينتج بنفس الأساليب التي إستخدمها أبناء القرون السابقة .. فالتوجيه عن بعد و إستخدام الأقمار الصناعية .. و تطور التكنولوجيا .. قسم سكان الكوكب إلي ثلاثة أقسام يتوزع بينهم حجم العمل الكوني طبقا لقدرات كل مجتمع و نوع العمالة المتاحة .
شعوب القمة توفر في إستخدام الأيدى العاملة الكثيفة ..و تستبدلها بالكمبيوترات .. حوض نهر الراين الذى كان مصنع العالم لإنتاج الحديد و الصلب .. تم تفريغة من المصانع ذات المداخن الملوثة للبيئة .. و ترحيلها إلي بلاد الكثافة السكانية في الهند و الصين و إفريقيا ..حيث العمالة متوفرة بأسعار زهيدة ولا يهم إن كانت ماهرة من عدمة ،بجوار الصناعات الكيماوية للسماد و المبيدات .. أو الألمونيوم .
صناعات السيارات و الماكينات الضخمة ..والإلكترونية و ما يشبهها تم ترحيلها لجنوب شرق اسيا أو دول أمريكا اللاتينية حيث العمالة الرخيصة المدربة.
أما المنتجات الزراعية و المواد الخام و البن و السكر .. ففي البلاد التي يمكن التحكم فيها بواسطة الشركات المالتي ناشونال العملاقة .
بلدنا كان نصيبها .. أن تكون الممر للناقلات الضخمة عبر قناة السويس .. و مكان للسياحة الترفيهية علي شواطيء البحر الأحمر و سيناء .. و مكان لإقامة المصانع الملوثة للبيئة (حديد و المونيوم و سماد و مبيدات ).. و مصدر لعمالة رخيصة للدول النفطية المجاورة .. و إحتياطي إستراتيجي للغاز و البترول ..
ثم سوق واسع يستقبل منتجات مثل القمح و السلاح و وسائل الإتصال ..
تعتمد في حياتها.. علي ألإستيراد .. و تعيش توازن عجز ميزانها التجارى .. بالقروض (الديون) و المعونات ... محافظة علي أدني مستوى في التعليم مضاف له تغييب دينى و إستهلاك للمخدرات و لأفلام البورنو .
فإذا ما كان العالم قد تعير هكذا .. و أصبح مالكي المعلومة يحركوننا طبقا لمصالحهم .. و فقدنا أساليبنا البدائية في العمل التي حافظت علي وجودنا لعشرات القرون نأكل من كدنا ..
فاليوم لم يعد أمامنا للخروج من هذا (القدر ) إلا إمتلاك لغته .. و التعلم من إسلوبه .. و المنافسة في إمتلاك المعلومة .. و تطوير معرفتنا .. ومبارحة البحيرة الأسنة التي علقنا بها منذ هزيمة 67 ..
علي الشباب ..الواعي إمتلاك اللغة المعاصرة للحياة ..و التدرب عليها .. إما بالسفر للخارج أو بإستخدام وسائل الإتصال الحديثة .. أو الإلتحاق بكورسات متخصصة
و الشباب الذى لا يمتلك بعد مقوماتها أن ينتج بواسطة مشاريع صغيرة .. ما يكفية عن مد اليد و الإستيراد ..
المزارع المحدودة ، الورش التي تعمل بتكنولوجيا وسيطة ، الصناعات التي يمكن أن يقبلها السوق العالمي من المنتجات المحلية كتعليب السمك و تربية الطيور و الضفادع و النعام .. والتماسيح و زراعة الزهور .. و الأعشاب الطبية ..و المنسوجات اليدوية .. و الضيافة المرحبة بالسياح .
علي الشباب أن يعبر الأسور التي حجزنا خلفها .. من حكمونا .. و يرتبط بالسوق العالمي .. خطوة خطوة .. حتي يجد له مكانا و لو محدودا .. هكذا فعلت دول جنوب شرق أسيا و الصين .. و توقفوا عن مضغ الأفيون .
هذا التوجه نحو تحديث أساليب الإنتاج .. يحتاج لثورة ثقافية .. سيقوم بها .. من سيستفيدون من التغيير .. لا تنتظروا هذا من أبناء ( النفو ريش ) ..أو البيروقراطيين ذوى الكروش الضخمة و العقول المسحوقة
و لكنه سيأتي كنتاج تفعيل الطاقة الكامنة داخل أبناء المهمشين الذين يكونون جيش البطالة.. الجالس علي القهاوى .
المجتمع المرجو يحتاج .. لتعليم جديد .. و تدريب مخالف .. لقد أصبح المهندس وخريجي التجارة و الأداب و الحقوق و الإقتصاد.. و غيرهم من التخصصات التي تعاني من البطالة عبء علي عملية التطور .. فغيروا مهنكم .. وإسلوب إختيار تخصصاتكم .. لمهن و مهارات .. مفتقدة . ( نكمل حديثنا غدا )