بقلم : فاروق عطية
1ـ إسماعيل باشا:
هو إسماعيل بن إبراهيم باشا بن محمد علي باشا. ولد في 31 ديسمبر 1830م في قصر المسافر خانة بالجمالية، وهو الابن الأوسط بين ثلاثة أبناء لإبراهيم باشا (الغير أشقاء) وهم الأميرين أحمد رفعت ومصطفى فاضل. تعلم مبادئ العلوم واللغات العربية والتركية والفارسية بالإضافة إلى القليل من الرياضيات والطبيعة وقد أرسله والده وهو في سن الرابعة عشر إلى فيينا عاصمة النمسا، كي يعالج من إصابته برمد صديدي ولاستكمل تعليمه، وقد بقي في فيينا لمدة عامين، ثم التحق بالبعثة المصرية الخامسة إلى باريس لينضم إلى تلاميذها، وكان من بينهم الأمير أحمد رفعت (أخوه) والأميران عبد الحليم وحسين وهما من أبناء محمد علي باشا، وفي باريس درس علوم الهندسة والرياضيات والطبيعة، كما أتقن اللغة الفرنسية تحدثاً وكتابة وتأثر بالثقافة والمعمار الفرنسي كثيراً، ثم عاد إلى مصر في عهد ولاية والده إبراهيم باشا.
ولما مات جده محمد على باشا، اشتد الخلاف بين إسماعيل وبقية الأمراء بشأن تقسيم ميراث جده، وسافر إسماعيل وبعض الأمراء إلى الأستانة، وعينه السلطان عبد المجيد الأول عضواً بمجلس أحكام الدولة العثمانية، وأنعم عليه بالباشاوية، ولم يعد إلى مصر إلا بعد مقتل ابن عمه عباس باشا وتولي بعده عمه محمد سعيد باشا حكم مصر. لقى من عمه سعيد عطفاً كبيراً، وعهد إليه برئاسة (مجلس الأحكام) الذي كان أكبر هيئه قضائية في البلاد في ذلك الوقت، وأرسله سعيد باشا سنة 1855م في مهمة سياسية لدى الإمبراطور نابليون الثالث بشأن رغبة سعيد باشا وساطة الدول الأوروبية في توسيع نطاق استقلال مصر بعد اشتراكها مع الحلفاء في حرب القرم، فأدى إسماعيل تلك المهمة بما امتاز به من ذكاء ولباقة، ووعده نابليون الثالث بتأييد مقترحه في مؤتمر الصلح بباريس، ولكنه لم يحقق وعده، وكذلك قابل البابا بيوس التاسع. ثم أرسله سعيد باشا على رأس جيش من 14000 محارب إلي السودان وعاد بعد أن نجح في تهدئة الأوضاع هناك.
بعد وفاة محمد سعيد باشا في 18 يناير 1863م حصل على السلطة دون معارضة وذلك لوفاة شقيقه الأكبر أحمد رفعت باشا. ومنذ توليه مقاليد الحكم ظل يسعي إلى السير على خطى جده محمد علي باشا والتخلص تدريجياً من قيود معاهدة لندن 1840م. وفي 8 يونيو 1867م أصدر السلطان عبد العزيز الأول فرمان منح فيه إسماعيل لقب الخديوي مقابل زيادة الجزية، وتم بموجب هذا الفرمان أيضا تعديل طريقة نقل الحكم لتصبح بالوراثة لأكبر أبناء الخديوي سنًا، وكان للسلطان العثماني قبل ذلك الحق المطلق في اختيار من يريد. وكان سعيد باشا أول من حصل علي هذا اللقب في الأسرة العلوية. ويعد منصب الخديوي أرفع مناصب الحكومة المصرية في مصر العثمانية، ويخاطب صاحب هذا المنصب بلقب الصدارة العظمى "فخامتللو".(خديوي كلمة فارسيّة معناها: السيد أو الأمير مشتقة من "خنا"). كما حصل في 10 سبتمبر 1872م على فرمان آخر يتيح له حق الاستدانة من الخارج دون الرجوع إلى الدولة العثمانية، وفي 8 يونيو 1873م حصل الخديوي إسماعيل على الفرمان الشامل الذي تم منحه فيه إستقلاله في حكم مصر بإستثناء دفع الجزية السنوية للباب العالي، وليس من حقه عقد المعاهدات السياسة والتمثيل الدبلوماسي وصناعة المدرعات الحربية.
في عهده تمت العديد من الإصلاحات أهمها:
ـ الإصلاح النيابي: تحويل مجلس المشورة الذي أسسه جده محمد علي باشا إلى مجلس شورى النواب، أتاح للشعب اختيار ممثليه، وافتتحت أولى جلساته في 25 نوفمبر 1866م.
ـ الإصلاح الإداري: ويشمل تحويل الدواووين إلي نظارات "وزارات". وضع تنظيم إداري للبلاد، وإنشاء مجالس محلية منتخبة للمعاونة في إدارة الدولة.
ـ الإصلاح القضائي: وبه أصبح للمجالس المحلية حق النظر في الدعاوى الجنائية والمدنية. انحصار اختصاص المحاكم الشرعية في النظر في الأحوال الشخصية. إلغاء المحاكم القنصلية واستبدالها بالمحاكم المختلطة.
ـ الإصلاح العمراني: الانتهاء من حفر قناة السويس وإقامة احتفالاتها. إنشاء القصور الفخمة مثل قصر عابدين، بالإضافة لإعادة بناء مناطق في القاهرة على طراز هاوزمان الأوروبي. تحديث وإعادة تخطيط القاهرة والمدن الكبرى لكي تضاهي العواصم والمدن الأوروبية، إدخال أعمدة الإنارة بالشوارع مستخدمة غاز الإستصباح (غاز الفحم)، رصف طرق العاصمة والمدن الكبرى ومنها طريق الهرم وشارع عبد العزيز الذي إفتتح تمهيدا لزيارة السلطان عبد العزيز للقاهرة، مد أنابيب المياه للشرب والأغراض الأخرى.
إنشاء دار الأوبرا الخديوية. التوسع في إنشاء الحدائق العامة مثل حديقة الأورمان وحديقة الأسماك وحديقة الأزبكية وحديقة الحيوان بالقاهرة، وحديقة الشلالات بالإسكندرية. إنشاء كوبري قصر النيل. تطوير السكك الحديدية وانشاء البريد والبرق. أمر بإنشاء مدينة الإسماعيلية سنة 1862م وسُميت بإسمه
في المجال الاقتصادي:
ـ زيادة مساحة الأراضي الزراعية. وزيادة مساحة الأراضي المنزرعة قطنا
ـ حفر ترعة الابراهيمية في صعيد مصر، وترعة الاسماعيلية في شرق الدلتا.
ـ إنشاء المصانع، من بينها 19 مصنعا للسُكّر ومنها ( أرمنت والمطاعنة والضبعة والبلينا وجرجا والمنيا والشيخ فضل والفيوم).
ـ إصلاح ميناء السويس وميناء الاسكندرية.
إنشاء 15 منارة في البحرين الأحمر والمتوسط لإنعاش التجارة.
في المجال الثقافي والتعليمي:
ـ زيادة ميزانية نظارة المعارف العمومية ووقف الأراضي على التعليم. اعتمد على العناصر الوطنية وهم رفاعة الطهطاوى - على مبارك - يعقوب ارتين - محمد شريف باشا، وكلف علي مبارك بوضع قانون أساسي للتعليم.
ـ تكليف الحكومة بتحمل نفقات التلاميذ.
ـ إنشاء أول مدرسة لتعليم الفتيات في مصر وهي مدرسة السنية عام 1873م تحت إشراف رفاعة الطهطاوي.
ـ إنشاء دار العلوم لتخريج المعلمين تحت اشراف علي مبارك. وانشاء دار الكتب. كما فصل التعليم المدني عن التعليم العسكري.
ـ إنشاء الجمعية الجغرافية ودار الآثار عام 1875م.
ـ اهتم بالتعليم الازهرى الذي كان عشوائىا فحدد له المناهج والمقررات والامتحانات.
ـ ظهورالصحف كالأهرام والوطن ومجلة الروضة.
ـ شجع على إرسال البعثات العلمية لاكتشاف منابع النيل بإفريقيا، وصنع خرائط ووضع خرائط للنيلين الأزرق والأبيض ودراسة المجتمعات في إفريقيا، التي كانت مجهولة للعالم آنذاك، فقد شجع البعثات الفردية والبعثات العلمية الجماعية، وأقام شراكة مع الجمعية الجغرافية بلندن.
في المجال الصحي:
ـ كانت المسائل الصحية موضع عناية إسماعيل باشا، وشاركه في ذلك نوابغ أطباء مصر وأعضاء مجالس شورى النواب، وجّهوا همتهم جميعاً إلى تحسين أحوال البلاد الصحية، وكان للإدارة الصحية فضل كبير في مقاومة الأمراض ومكافحة الأوبئة وخاصة وباء الكوليرا الذي حلّ بالبلاد سنة 1865م، وكان أشد ما أُصيبت به البلاد من الأوبئة في ذلك العصر ولذلك أنشئت العديد من المستشفيات.
بجانب ما قدمه من الإصلاحات والإنشاءات، يوجد الجانب السيئ من شخصيتة، وهو حبه للبذخ والإسراف، وعدم تقديره للعواقب، وضعفه أمام الملذات والشهوات، أدت به هذه العوامل مجتمعة إلي تبديد أموال الخزانة العامة، فلم تكفه الملايين التي كان يجبيها من الضرائب، بل عمد إلي البيوت المالية والمرابين الأجانب يستدين منهم القروض الجسيمة، ولا يخفى أن هذه القروض هي الوسيلة التي تذرعت بها الدول للتدخل في شؤون مصر الداخلية ووضع الرقابة المالية عليها.
في عام 1875م مرت مصر بأزمة مالية طاحنة اضطر معها الخديوي إسماعيل إلي بيع حصة مصر من أسهم القناة لبريطانيا بمبلغ 100 مليون فرنك في 25 نوفمبر 1875م، وبذلك حلت الحكومة البريطانية محل الحكومة المصرية في حصتها من ملكية شركة قناة السويس. ولكن الأزمة المالية لم تنفرج، وأرسلت الدول الدائنة لجنة لفحص الحالة المالية في مصر لتصفية الديون التي تدين بها مصر لدول نادي باريس وكان مؤمن علي هذه الديون بأرباح مصر التي تمثل 15% من شركة قناة السويس. فقررت اللجنة بيع حصة مصر من الأرباح نظير مبلغ 22 مليون فرنك. و بذلك خسرت مصر حصتها من أسهم القناة وحصتها في الأرباح في ظرف 6 سنوات من افتتاح القناة.
أدت النزعة الاستقلالية للخديوي إسماعيل في حكم مصر إلى قلق السلطان العثماني، بالإضافة إلى الأطماع الإستعمارية لكل من انجلترا وفرنسا لمصر وتحت ضغط كلا من قنصلي إنجلترا وفرنسا على السلطان العثماني عبد الحميد الثاني، أصدر السلطان فرماناً بعزل الخديوي إسماعيل في 26 يونيو 1879م وبُعث إلى مصر عن طريق التلغراف. وقد أصدر جلالة السلطان هذا الفرمان بناء علي قرار مجلس الوزراء مخولا اسناد منصب الخديوية المصرية إلي صاحب السمو الأمير توفيق باشا. سافر اسماعيل باشا بعد ثلاثة أيام إلي نابولي بإيطاليا، حيث أعد له الملك امبرتو قصراً لسكناه، فأقام به هو وزوجاته وانجاله وحاشيته، واخذ يتنقل بين مختلف العواصم الأوربية، ولم تفارقه آماله في العودة إلى عرش مصر، وسعى إلى ذلك سعياً حثيثا ولكنه أخفق في مساعيه ثم سكن الاستانة منذ سنة 1888م، وأقام بقصره ببركون على البسفور وظل مقيم فيه إلى أن وافته المنيه في 2 مارس 1892م وله من العمر65 عاما، ونقل جسمانه إلي مصر ودفن في مسجد الرفاعي بالقاهرة.