سهير وهبه
ابو اليتامى لم يتركنا....افكركم لما ابويا مات كان عندى خمس سنين وكانت اختى عندها سنة ، كل اللى جاى يعزى أمى من الستات كانوا بيقولوا لبعض هما هياكلوا منين دول ، لا حيلتهم أرض ولا بهيمة.
مكنتش اعرف دول جايين يعزوا ولا يشمتوا ، يومها انا كنت صغير بس فاكر امى وهى بتعيط وبتقول يارب هياكلوا منين يارب ؟؟ واختى كانت في حجرها عماله تصرخ ، يومها انا خدت اختي من حجرها غصب عنها ودخلت أوضة أبويا وفضلت أطبطب عليها عشان أسكتها وأنا بقولها متخفيش ربنا لن يتركنا ده هو ابو اليتامى.
اتفض العزاء والستات رجعوا بيوتهم وقعدت أنا وأمى لوحدنا في الليل الطويل اللي من غير أمل ولا ونيس ، أنا فاكر وقتها اننا فعلا أفقر ناس في البلد وأمى قالت اللي زود الطين أن أبوك يموت وانت قدامك سنة وتقدم في المدرسة يعني
نجيب فلوس منين دلوقت واختك لو تعبت هنصرف عليها منين ، فضلت أمى تعد وتقول وأنا ساكت كل اللي كنت بقوله ربنا لن يتركنا فهو ابو اليتامى.
فات شهر على موت أبويا لا فيه حد دخل سألنا عن حالنا ولا حد ساعدنا بلقمة وصلت بينا الايام ناكل العيش حاف.
كنت عيل صغير بدل ما يلعب مع العيال في الشارع كنت قاعد في البيت كتفى لكتف أمى بنحسب في الايام وبنعد في الفلوس وهتكفينا نجيب كام طقه ، طفل صغير قاعد يفكر ايه الفرق بين الوحده وبين الفقر والعجز وقتها مكنتش عارف اسم المصطلحات دي ، بس عارف فعلها على النفس كويس.
عارف يعني ايه البيت يفضل مقفول عليا وعلى امى لشهور من غير ما حد يخبط علينا ، عارف يعني ايه اختى تتلوى من الوجع في نص الليل وناخدها أنا وأمى ونمشي علي الطريق الزراعى في نصاص الليالي مسافة كيلو وأكتر لحد ما نوصل للمستوصف ، عرفت يعنى ايه امى تشيل اختي وتروح لواحدة جارتنا تستلف منها طبخة رز ولا معلقة شاى.
وبرغم كل اللي حصل وبيحصل كنت واثق ان ربنا لا يمكن يسيبنا لانه ابو اليتامى، قولت لامى مش هدخل المدرسة وهشتغل بقي عشانك وعشان اختى
قالت شغل عيل صغير لا هيأكل ولا هيشبع هيعدموك العافية وفي الاخر مش هيدولك فلوس وهيقولوا عيل صغير لا اشتغل ولا حاجة. وقالتلى روح المدرسة وخلاص بس من غير هدوم جديدة ومن غير شنطة ، ولو علي قد تمن مصاريف الكتب هتتدبر.
مش عاوز اقولكم قد ايه كل الفصل كان بيتريق علي لبسى وعلي انى شايل الكتب علي ايدى بس الحمدلله كلامهم مأثرش فيا لانى جمدت من يوم ما ابويا مات وشوفت الدنيا علي حقيقتها ، ولما وصلت تالته ابتدائي اقترحت علي امى تعمل عيش في الفرن الطين وانا هشيله علي رأسي وأروح به للبندر أبيعه. فى الاول مكنتش موافقه بس الحوجة كانت كبيرة ، كنت انا بفرش علي العيش وهي تعمله وتاخد بالها من اختى ومفيش يوم روحت ابيع فيه ورجعت برغيف واحد ، ويوم ورا يوم بقى ليا زباين والعيش اللى امى بتعمله مبيكفيش. خدت تريقه كتير برضه لما كنت بشيل العيش علي دماغى ويقولولي انت زى النسوان ، بس برضه الحوجة كانت أكبر من أنى طفل صغير ممكن يعيط من التريقة.
كله كان عشان أمى واختي ، وبمعونة ربنا كنا بنكسب كويس من شغل العيش لان البندر بيحبوا العيش الفلاحى والحمدلله كنت بنجح فى المدرسة ، وكبرت اختى ودخلت المدرسة.
كانت نعمة ربنا علينا كبيرة كنا مستورين وشاطرين في المدرسة ، ربنا عمره ما جاب لنا حاجة وحشة بس احيانا ضعف الايمان وقلة الثقة فى الله هي اللى بتخلينا نضعف ونحس بالضياع مع أول تجربة تيجي من ربنا.
عشت أنا وأمى وأختى مستورين وفضل العيش هو شغلى لحد ما خلصت كلية وسافرت اشتغلت في القاهرة وربنا فتح عليا بمشروع صغير كده كنت ببيع فيه العيش الفلاحى ، وسنة ورا سنة المشروع بقي أربعة وبدل الالف بقيت بكسب اربعه وخمسة ، وبعد كام سنة من التعب كنت من أغنى الناس في بلدنا وليا أحسن بيت وأمى لابسه أحسن لبس واختى اللى كانت بتصرخ في حجر أمى يوم موت أبويا ربنا كرمنا فيها واصبحت دكتورة وفضلت تعالج الفلاحين بأسعار على قدهم.
كل حياتى مرت قدام عيني وامى بتعيط وتقول يارب هما هياكلوا منين ؟؟
وفى يوم كنت بوزع شغل لي في بلد أرياف كده تبعد عن بلدى بساعة سفر ، لقيت صوات في الشارع وحالة عزاء وست ماسكه ابنها من ايده وماشيه تصرخ علي جوزها يومها انا شوفت الولد ده علي انه أنا ، روحتله وقعدت معاه عملت معاهم اللي كان نفسي يتعمل معايا ، افتكرت وقت لما كنت بأصلي لربنا الباب بتاعنا يخبط وحد يساعدنا ولو بكلمة تقوينا علي مر الأيام لكن لم انسى انه ابو اليتامى.
انا اديتهم فلوس كتير ، فلوس تكفيهم يفتحوا مشروع يصرفوا منه وقولتلهم الفلوس دي اعتبروها دين في رقبتكم
قالولي أول ما ربنا يرزقنا هتاخدهم ، يومها انا قولت للولد
الدين ده فى رقبتك انت بس مش لي ، أوعدنى ترده لطفل والده مات وممكن يضيع اقف معاه واديله فلوس حتى لو متعرفوش زي مانا معرفكش.
خرجت من عندهم وأنا بقول يارب الدين ده يفضل يلف من شخص للتانى لان عندى يقين أنه هيوصل لابني بطريقة ما بعد ما أموت فى يوم من الايام.
+ارمي خبزك على وجه المياه....
لا تعتقد ما تمر به من تجارب انها "محنة" انما هي "منحة" ستنالها بالبركات والثمرات.
وسيعوضك ربنا عن السنين التي اكلها الجراد... صباح الخير على الجميع