إعداد / نجيب محفوظ نجيب.
 
ولد القديس مارمرقس من والدين تقيين يعيشان فى مخافة الله فى مدينة القيروان و هى إحدى المدن الخمس الغربية التى تقع فى شمال أفريقيا .
 
أضطر والديه أن يرحلا إلى مدينة أورشليم بعد أن فقدا معظم ثروتهم بسبب هجوم بعض القبائل الهمجية على مدينة القيروان و نهب و سلب أهلها.
 
القديس مارمرقس هو أحد السبعين رسولا.
السيد المسيح أختار بيته لكى يؤسس فيه سر الإفخارستيا فى يوم خميس العهد ، و هو البيت الذى كان يجتمع فيه التلاميذ للصلاة بعد صلب و قيامة السيد المسيح، و فيه أيضا حل الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين.
 
فبيت القديس مارمرقس يعتبر أول كنيسة مسيحية فى العالم.
 
أشترك مارمرقس الرسول مع برنابا الرسول فى الكرازة فى قبرص مدة من الزمن، ثم جاء إلى المدن الخمس الغربية  ( مسقط رأسه ) ، و بعدها جاء إلى مصر.
 
وصل القديس مارمرقس إلى مدينة الإسكندرية مركز العلم و الأدب و الفلسفة و الفن، و أخذ يسير فى شوارعها و ظل ماشيا طول النهار حتى أنقطع سير حذاءه عند المساء.
 
ذهب إلى إسكاف و الذى عندما كان يخيط السير دخل المخراز فى يده و جرحه فصرخ قائلا : " يا الله الواحد ". صلى القديس مارمرقس فشفى الجرح، ثم سأل الإسكاف إن كان يعرف " الله الواحد " الذى يناديه فأجاب : " أنا أسمع عنه و لكننى لا أعرفه ".
 
حينئذ بدأ القديس مارمرقس يحكى له عن ميلاد السيد المسيح و عن تعليمه و صلبه و قيامته من بين الأموات و صعوده إلى السموات. فأنفتحت أعين قلب أنيانوس الإسكاف لبشارة القديس مارمرقس و أصبح أول المؤمنين فأصطبغ بصبغة المعمودية المقدسة هو و أهل بيته.
 
أنضم إلى أنيانوس و أهل بيته عدد كبير من المؤمنين و هذا الأمر أقلق الحكام لأن المؤمنين لم يزدادوا فى العدد فقط لكن الإيمان بالسيد المسيح حولهم تحويلا كاملا و جعل منهم أشخاصا جددا. و كان تجديدهم حيا و قويا و فعالا إلى درجة إنهم قد أستطاعوا أن يجتذبوا الآخرين.
 
و عندما كان القديس مارمرقس مهتما بتدعيم أساس الكنيسة التى أسسها فى مصر، جاء إليه القديس بطرس لكى يفتقد اليهود المقيمين فى مصر لأنه كان رسول الختان أى اليهود.
 
و أثناء إقامة القديس بطرس فى مصر كتب رسالته الأولى التى أختتمها بالآية : " تسلم عليكم التى فى بابل المختارة معكم و مرقس ابنى "  " رسالة بطرس الأولى 5 : 13 ".
 
و بسبب إستمرار أعداد المؤمنين فى الزيادة حاول الحكام أن يلقوا القبض على القديس مارمرقس. و عندما أحس المؤمنون بهذا ألحوا عليه أن يرحل عن مصر لكى يكون فى مأمن من ظلم الحكام .
فأجتمع مع المؤمنين و رسم لهم أنيانوس أسقفا و أثنى عشر قسيسا و سبعة شمامسة. ثم ترك الإسكندرية و ذهب إلى المدن الخمس الغربية لكى يفتقد الكنيسة التى أسسها هناك.
 
و عندما سمع القديس بولس الرسول عن خدمة القديس مارمرقس و أن الروح القدس قد أختاره لكى يبشر مصر تحقيقا لنبؤة أشعياء النبى القائلة : " فى ذلك اليوم يكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر و عمود للرب عند تخمها "  " أشعياء 19 : 19 ". 
و أن القديس مارمرقس ترك الإسكندرية إرضاءا للمؤمنين الحريصين على حياته، وجه القديس بولس إليه الدعوة لكى يأتى إلى روما، فلبى الدعوة و ذهب إلى روما،  و شهد القديس بولس بعد هذا أن القديس مارمرقس نافع له و للخدمة. " 2 تيموثيءوس 4 : 11 ، فليمون 1 : 24 ".
 
و حين عاد القديس مارمرقس إلى الإسكندرية وجد أن المؤمنين قد بنوا كنيسة فى منطقة بوكاليا  ( مرعى البقر ) ، و بنوا أمامها عددا من المنازل لإيواء الفقراء و الغرباء.
و ترجاه المؤمنون أن يكتب لهم التعاليم التى سلمها لهم باللسان لكى تكون لهم عزاءا و لكى يستطيعوا أن يوصلوها إلى أولادهم و أولاد أولادهم فتكون مصدر لقوتهم و رسوخهم فى الإيمان.
فرح القديس مارمرقس بهذا الرجاء و حقق لهم رغبتهم بأن كتب لهم إنجيله مستلهما الروح القدس.
فرح المؤمنون ببشارة القديس مارمرقس فرحا عظيما، و هو الذى أنشأ لهم المدرسة اللاهوتية التى أصبحت مركزا يجتذب طلاب العلم الذين يسعون إلى المعرفة المسيحية الحقيقية من جميع أنحاء العالم.  
 
و بتزايد تعب و جهاد القديس مارمرقس فى خدمة المؤمنين الذين كانوا يزدادوا فى العدد بشكل مستمر، أزداد غضب الحكام و قرروا أن يلقوا القبض عليه، فأثاروا الوثنيون الذين كانوا يحتفلوا بعيد الإله سيرابيس ضد القديس مارمرقس الذى كان يصلى قداس عيد القيامة فى الكنيسة سنة 68 م. فبعد أن أنتهى الوثنيون من شعائر الاحتفال فى معبد الإله سيرابيس، توجهوا إلى الكنيسة و اقتحموها و قبضوا على القديس مارمرقس و ربطوا حبلا حول وسطه ثم أخذوا يجرونه فوق الصخور فى شوارع الإسكندرية ثم  ألقوا به فى السجن بعد أن تمزق جسده.
 
و هو ملقى فى السجن بين حى و ميت ظهر له السيد المسيح وسط هالة من النور و قال له : " تشدد و تشجع يا بشيرى و ليفرح قلبك فغدا تنال إكليل الشهادة ".
 
و فى اليوم التالى جاء الوثنيون إلى السجن و ربطوا الحبل حول رقبة القديس مارمرقس ، و اخذ
 
و أخذوا يجرونه كما فعلوا فى اليوم السابق، فأنفصل الرأس عن الجسد، و نال القديس مارمرقس فى هذا اليوم ثلاثة أكاليل : إكليل الرسولية و إكليل البشارة و إكليل الشهادة.
 
حاول الوثنيون أن يحرقوا الجسد و لكن هبت عاصفة و تساقط المطر كالسيل ، فتفرقوا و تركوا الجسد ملقى فى الطريق.
 
و عندما هدأت العاصفة جاء المؤمنون و أخذوا جسد القديس مارمرقس و دفنوه بإكرام فى الكنيسة التى توجد فى بوكاليا و التى أطلقوا عليها أسم : كنيسة القديس مارمرقس
 
فكان دم القديس مارمرقس هو أول دم سفك لكى يروى بذور الإيمان التى نمت و أثمرت ثمارا حية على مدى الأجيال و لازالت آثارها باقية فى قلوب و عقول المؤمنين حتى وقتنا الحالى و حتى مجىء السيد المسيح فى نهاية العالم.