فيفيان سمير
لم تتوقع سماع صوته مرة ثانية، بعد انفصال دام أكثر من عام، يطلب مقابلتها لحاجته الشديدة لها، لم تجبه للحظات، فالمكالمة غريبة والطلب أكثر غرابة، فما حدث بينهما قبل الانفصال قطع كل خيوط التواصل وأغلق أي طريق للعودة.
كان ارمل، توفيت زوجته تاركة له ابنة وابن في سن المراهقة المبكرة، وهي قريبته، التي لم تتزوج وتقدم بها السن قليلا، توسط الاهل والاقارب للتوفيق بينهما، في النهاية نجحت مساعيهم وتم الزواج، كل ما كان يبتغيه منها هو رعاية ابنائه و بيته اولا، والاهتمام بشؤنه ثانيا، او هكذا اخبرها، هي كانت تريد حياة كاملة، ترتبط فيها بزوج حقيقي، تغمره بكل مشاعرها المدخرة كل سنوات عمرها، وتكون اسرة وابناء حتى وإن كانوا ليسوا جزءا منها، احبت ابنائه بصدق، واحتضنتهم، وتعاملت معهم كأم، فاستجابت البنت لمشاعر الامومة الصادقة التي احتوتها، والتصقت بها كأبنة من صلبها، اما الولد فكان نافرا، رافضا لها ولكل محاولاتها المخلصة لكسبه، فكان يستمتع بمضايقتها وعدم أطاعتها، دائم الايقاع بينها وبين وأبيه، والنتيجة خلافات لا تنتهي، بلغت ذروتها حين اكتشفت ان الولد يتعاطى المخدرات، وتعقدت المشكلة أكثر حين حاولت أثنائه عن هذا الطريق المدمر، بالطبع لم يستجب لها، بل تحداها ان تحاول اخبار والده، وازدادت تعقيدا بعد اكتشافها انه بدأ يسرق، مرة مصروف البيت، ومرة قطعة ذهبية من ذهبها، أصبح لا مفر من اخبار والده بعد فشلها في انقاذه ولخوفها الشديد عليه.
الكارثة ان الأب لم يصدق كلمة واحدة مما قالته عن أبنه، بل ثار ثورة عارمة واتهمها بانها تكرهه وتريد تشويه صورته، وأنها ليست اهلا للأمانة التي اودعها بين يديها، وانها خطر على بيته وابنائه الذى أصبح يخشى عليهما منها، حتى أبنته حين حاولت الدفاع عنها وتأكيد كلامها، نهرها واصفا اياها انها صغيرة وبريئة لا تفهم هذه التصرفات الخبيثة وانطلى عليها نعومة الحية التي تسللت لحياتهم، وتعمل على هدمها، لتفوز به دون ابنائه، طردها من بيته وحياته وحذرها من محاولة الاتصال به او بأبنته التي من وجهة نظره تستغلها في مخططها الشيطاني.
وانتهت علاقتها به وبأولاده منذ ذلك اليوم، لم تحاول حتى الدفاع عن نفسها او أثبات صدق ادعائها بل انسحبت في هدوء، واعتزلت الحياة والمناسبات الاجتماعية التي قد تجمعها به ولم تعرف عنه او عن اولاده شيئا منذ ذلك اليوم.
استجمعت قواها لتجيبه بانها في انتظاره في منزلها، لم تدري ما الذي يجعله يطلب مقابلتها وما الذي يحوجه لها بعد ما حدث، حاولت الا تسبق الأحداث وتبقى هادئة مستعدة لما سيقول.
وصل الزوج ورحبت به في فتور وجلست تنتظر ما جاء لقوله، في صعوبة بالغة خرجت الكلمات من فمه، متوسلة لها ان تسامحه، فقد اظهر الله براءتها من كل التهم التي رماها بها، وصرخت الحقيقة الصادمة في وجهه حين سقط ابنه بين الحياة والموت نتيجة جرعة زائدة من المخدرات، ويرقد حاليا بين يدى الله في حالة حرجة، وأخته على مشارف انهيار عصبي، وهو عاجز عن انقاذ أيا منهما، جاء يطلب قلب الام الذى بالحب وحده يستطيع ان يداوى ما افسده هو، بالتعصب الاعمى الغير حكيم، فهي الوحيدة التي تستطيع جمع حطام اسرته، وتقيم ما قد تهدم، ابنته تفتقدها وتطلبها بإلحاح، ابنه يحتاج لغفرانها لما اقترفه في حقها، وهو يحتاج صفحها عنه ومساندتها له.
نظرت اليه نظرة طويلة كأنها تحاول استيعاب ما قاله، او تبحث داخلها عن إجابة لطلبه، ثم ادركت انه فند احتياج كل واحد منهم دون أن يلتفت للحظة لاحتياجها هي، او يحاول سؤالها عن مشاعرها وما ترغبه، نفس الغلطة التي سقطت فيها أول مرة، واجهته بما يدور داخلها، لم يأتي من أجلها هي، لا في المرة الاولى ولا المرة الثانية، هي خارج حساباته، لن تكون من الغباء لتكرر نفس الخطأ مرتين، فإن كانت في المرة الاولى قبلت لتكتمل به، فالان أدركت انها امرأة كاملة بدونه، لا نقص فيها، ومع ذلك ولأنها أحبت أولاده بصدق فلن تبخل عليهم بهذا الحب، ستبقى الى جوارهم الى أن تعبر الأزمة وتستقر حياتهم، أما علاقتها به ستدعها للوقت يداويها ويقويها أو بدون مرارة ينهيها.