بقلم: مهندس عزمي إبراهيم
قرأت اليوم مقالا تحليليا بقلم الأستاذ أحمد الحبيشي بتاريخ 14 يونيو 2012، بعنوان " لماذا يكره الأخوان المسلمون جمال عبد الناصر" سرد الكاتب بتسلل تأريخي وتحليل وقائعي وثيقة رائعة ترسم صورة الأخوان الحقيقية: طبيعتهم وتفكيرهم وأطماعهم من بدء نشأتها، ومناوراتهم لفرض إرادتهم ومبادئهم على حكومات مصر، ومطامحهم البعيدة في اغتصاب الحكم في مصر باغتيالات وتفجيرات وتجمعات وتخطيطات انقلابات واتصالات سرية مع دول أجنبية بل وتحالفات معها ضد حكومات مصر.
لمحدودية المساحة بهذه الصفحة اخترت جزءاً محدوداً مما جاء بالمقال عن مواقف الأخوان تجاه ثورة 23 يوليو 1952. أستسمح الأستاذ أحمد الحبيشي في نقل هذا البعض من مقاله، بالنص، مرآة لفترة قصيرة لا تزيد عن عام وبضعة شهور من تاريخ الأخوان ليستفيد به من لم يعلم من أبناء مصر.:
في المدخل الاستهلالي لكتابه التحليلي الوثائقي القيم "عبدالناصر والإخوان المسلمون"، أورد الكاتب الراحل عبدالله إمام عرضاً موجزاً للأعمال الإرهابية التي ارتكبها الجهاز الخاص للإخوان المسلمين قبل ثورة 23 يوليو. وكرس الكاتب لهذا الغرض أكثر من 55 صفحة... شملت هذه الصفحات تلخيصاً "لأبرز الأعمال الإرهابية الإخوانية" التي شملت اغتيال عدد من الشخصيات السياسية والقضائية وتفجير دور السينما وإحراق المسارح والمحلات التجارية ومحلات التسجيلات الغنائية الصوتية في وسط العاصمة المصرية القاهرة.
في هذا السياق يوضح الكاتب جوانب واسعة من العلاقات القديمة التي ربطت قادة ثورة 23 يوليو بجماعة الإخوان المسلمين، مشيراً إلى أن هذه العلاقات كانت معقدة وبدأت في الأربعينات حين كان مشروع إعادة بناء الدولة الوطنية الحديثة مجرد فكرة تختمر في عقول ونفوس عدد محدود من الضباط الوطنيين الذين تألموا لأوضاع البلاد وحاولوا تلمس طريق الخلاص من فساد الأحزاب السياسية، فلم يجدوا عندهم أي حل للقضية الوطنية وللقضايا الاقتصادية والاجتماعية. لم يعد أمام هؤلاء الضباط في ضوء تلك الحالة المحبطة سوى الاعتماد على أنفسهم وقوتهم، والشروع في تشكيل تنظيم محدود سرعان ما نما وتطور وأصبحت له خلايا وفروع داخل صفوف ضباط الجيش.
لم يكن تنظيم الضباط الأحرار موحد الفكر والأهداف، لكنه كان يضم مجموعة متباينة من الضباط الوطنيين الذين التقوا حول عدد محدود من الأهداف وهي المبادئ الستة التي أعلنتها الثورة. بيد ان ذلك التوحد لم يحل دون ان يكون لعدد منهم انتماؤه السياسي والفكري فكان بينهم الإخوان المسلمون والماركسيون والقوميون وغيرهم.. وقد بدأت العلاقة بين الإخوان وقادة الثورة منذ الأيام الأولى للثورة حيث أصدر مجلس قيادة الثورة قراراً بحل الأحزاب، ولكنه أستثنى جماعة الإخوان المسلمين لانها كانت تقدم نفسها كجمعية دينية دعوية.
الاخوان يحرضون ضد التعددية الحزبية: كان الإخوان المسلمون حريصين منذ اليوم الأول لقيام الثورة على تحريض مجلس قيادة الثورة ضد الأحزاب وتكوين قناعة بضرورة حلها. وعندما اقتنع قادة الثورة بعدم قدرة الأحزاب على تحقيق التغيير الذي يحتاجه الشعب بسبب فسادها وترهلها، طلبت وزارة الداخلية من الأحزاب أن تقدم إخطارات عن تكوينها، فقدم المرشد العام شخصياً أثناء زيارة مكتب سليمان حافظ وزير الداخلية إخطارا "رسمياً" بأن الاخوان جمعية دينية دعوية، وان أعضاءها وتكويناتها وانصارها لا يعملون في المجال السياسي، ولا يسعون لتحقيق أهدافهم عن طريق أسباب الحكم كالانتخابات، ونفى أن يكون ذلك من بين أهداف جماعة الإخوان المسلمين، الأمر الذي جعل قانون حل الاحزاب الذي اصدره مجلس قيادة الثورة لا ينطبق على الاخوان المسلمين.
بعد أربعة أشهر على قيام الثورة، وبالتحديد في صبيحة يوم صدور قانون حل الأحزاب في يناير سنة 1953م حضر إلى مكتب جمال عبدالناصر وفد من الاخوان المسلمين مكون من الصاغ الإخواني صلاح شادي والمحامي منير الدولة وقالا له: "الآن وبعد حل الأحزاب لم يبق من مؤيد للثورة إلا جماعة الإخوان ولهذا فانهم يجب أن يكونوا في وضع يليق بدورهم وبحاجة الثورة لهم"، فقال لهما جمال عبدالناصر: "إن الثورة ليست في أزمة أو محنة، وإذا كان الإخوان يعتقدون أن هذا الظرف هو ظرف المطالب وفرض الشروط فأنهم مخطئون".. لكنه سألهما بعد ذلك: "حسناً ما هو المطلوب لاستمرار تأييدكم للثورة"؟
فقالا له: "اننا نطالب بعرض كافة القوانين والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل صدورها على مكتب الإرشاد لمراجعتها من ناحية مدى تطابقها مع شرع الله والموافقة عليها.. وهذا هو سبيلنا لتأييدكم إذا أردتم التأييد".
فقال لهما جمال: "لقد قلت للمرشد في وقت سابق إن الثورة لا تقبل أي وصاية من الكنيسة أو ما شابهها.. وانني أكررها اليوم مرة أخرى.. وبكل عزم وحزم.
لكنهما أصرا على موقفهما وأبلغا عبد الناصر ان مهمتهما في هذا اللقاء ليست النقاش بل ابلاغ مطالب الاخوان فقط ونقل رد مجلس قيادة الثورة الى مكتب الارشاد، ثم جددا التأكيد على مطالب الاخوان المسلمين وهي:
أولاً: ألا ّ يصدر أي قانون إلا ّ بعد أن يتم عرضه على مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين ويحصل على موافقته.
ثانياً: ألا ّ يصدر أي قرار إلا بعد أن يقره مكتب الإرشاد.
وقد رفض جمال عبدالناصر بكل حزم هذين الشرطين لأن الإخوان أرادوا من خلالهما وغيرهما من الشروط الأخرى الحكم من خلف الستار وعدم تحمل تبعات الحكم الداخلية والخارجية.
كان هذا الموقف الحازم لجمال عبدالناصر من مطالب الإخوان المسلمين نقطة التحول في موقفهم من الثورة وحكومة الثورة، إذ دأب المرشد بعد هذا التحول على إعطاء تصريحات صحفية مهاجماً فيها الثورة وحكومتها في الصحافة الخارجية والداخلية، كما صدرت الأوامر والتعليمات إلى هيئات الإخوان بأن يظهروا دائماً في المهرجانات والمناسبات التي يحضرها وينظمها رجال الثورة بمظهر الخصم المتحدي!!
وبعد ذلك قابل جمال عبدالناصر المرشد العام للإخوان المسلمين حسن الهضيبي في منزله بمنشية البكري في حي مصر الجديدة شمال مدينة القاهرة على أساس أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين "الثورة" و"الإخوان" بعيداً عن الوصاية الدينية او السياسية، لكنه فوجئ بأن الهضيبي تراجع عن الشروط السابقة وقدم بدلاً عنها مطالب جديدة تتمثل في مطالبة مجلس قيادة الثورة بإصدار مراسيم بفرض الحجاب على النساء وإقفال دور السينما والمسارح ومنع وتحريم الأغاني و الموسيقى وتعميم الأناشيد الدينية واصدار مرسوم يلزم القائمين على حفلات وقاعات الافراح باستخدام أناشيد مصحوبة بايقاعات الصاجات (الدفوف) فقط، ومنع النساء من العمل وإزالة كافة التماثيل القديمة والحديثة من القاهرة وكل أنحاء مصر.
كان رد عبد الناصر على هذه المطالب: "لن اسمح لهم بتحويلنا إلى شعب بدائي يعيش في أدغال أفريقيا مرة أخرى"، ورفض جميع هذه المطالب الجديدة التي تقدم بها "الإخوان المسلمون" وتساءل أمام مرشدهم الإمام حسن الهضيبي بصراحة ووضوح: "لماذا بايعتم الملك فاروق خليفة على المسلمين؟ ولماذا لم تطالبوه بهذه المطالب عندما كانت هذه الأشياء مباحة بشكل مطلق؟ ولماذا كنتم تقولون قبل قيام الثورة: "إن الأمر لولي الأمر"؟!!
ثم كتب بخط يده تحت الورقة التي تضمنت تلك المطالب: "لن نسمح بتحويل الشعب المصري إلى شعب يعيش حياة بدائية في أدغال أفريقيا"!!
واللافت للنظر ان الاخوان المسلمين قبلوا على مضض ــ او تظاهروا بقبول ــ رفض جمال عبدالناصر لجميع المطالب التي عرضوها عليه في اللقاءات السابقة، لكنهم أصروا على مطلب واحد يتعلق بضرورة الشروع باصدار مرسوم يقضي بفرض الحجاب على النساء، وقد حدث ذلك عندما اتصل به المرشد العام حسن الهضيبي واخبره بان مكتب الارشاد كلف كلا من حامد ابو النصر والشيخ فرغلي بمقابلته لأمر لا يعتقد الاخوان بانه قابل للتأجيل. وعندما قابل عبدالناصر موفدي الاخوان عرضا عليه رسوما قالوا انها تقريبية لثلاثة نماذج من الحجاب يمكن تطبيقها على مراحل بصورة تدريجية وفور مشاهدة عبدالناصر لهذه الرسوم التقريبية ضحك ساخرا وقال لهم (انا مش عارف سبب اهتمامكم باستهداف الستات!!).. ثم توجه الى حامد ابو النصر الذي اصبح مرشدا للاخوان المسلمين في وقت لاحق من الثمانينيات متسائلاً: "طيب ليه بناتك سافرات ياستاذ حامد و ليه ما تِلزِمهُمش بواحد من الحجاب ده اللي عايزين من مجلس قيادة الثورة فرضه على الستات بمراسيم"!؟
بعد فشل هذا اللقاء حاول "الاخوان المسلمون" صياغة أفكار جديدة حول شكل النظام السياسي الذي يجب ان تحدده الثورة حيث كتب سيد قطب مقالاً في جريدة "الأخبار" بتاريخ 8 أغسطس 1952م.. وجاء هذا المقال في صيغة رسالة مطالب موجهة إلى اللواء محمد نجيب رئيس مجلس قيادة الثورة طالبه فيها بدستور لا يحمي البلاد من فساد الملك وحاشيته ولكن من فساد الأحزاب والصحافة!!
ومضى سيد قطب في هذا المقال/ الرسالة قائلاً: "إن لم تحققوا أنتم التطهير الشامل الذي لا يبيح الحرية السياسية إلا للشرفاء فالشعب الذي احتمل ديكتاتورية طاغية باغية شريرة قادر على أن يحتمل ديكتاتورية مؤمنة نزيهة، على فرض ان قيامكم بحركة للتطهير يعتبر ديكتاتورية بأي وجه من الوجوه"!!
في أيام الثورة الأولى وقبل أن يعود المرشد العام من مصيفه بالإسكندرية وقفت الثورة إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين وتمثل ذلك في عدد من القرارات التي أصدرها مجلس قيادة الثورة ومن بينها إعادة التحقيق في مصرع المغفور له الشيخ حسن البنا، والقبض على المتهمين باغتياله وتقديمهم لمحكمة جنايات القاهرة.. وقد أصدرت المحكمة برئاسة الأستاذ محمود عبدالرازق وعضوية الأستاذين محمد متولي ومحمد شفيع المصيرفي أحكاماً قاسية بحق المتهمين والزمتهم بالتكافل مع الحكومة بدفع عشرة آلاف جنيه ــ وهو مبلغ كبير في ذلك الوقت ـ على سبيل التعويض لزوجة المرحوم حسن البنا وأولاده القصر والمشمولين بولاية جدهم الشيخ حسن البنا!!
كما أصدر مجلس قيادة الثورة عفواً خاصاً عن قتلة المستشار احمد الخازندار من أعضاء الجهاز الخاص للإخوان المسلمين وعن بقية المسجونين في قضية اغتيال رئيس الوزراء النقراشي باشا، بالإضافة إلى العفو عن المحكوم عليهم في قضية إحراق مدرسة الخديوية الثانوية للبنات من قبل المتشددين في جماعة الإخوان المسلمين.. وقد خرج كل هؤلاء المعفو عنهم من قبل مجلس قيادة ثورة 23 يوليو من السجن إلى مقر الجماعة وسط مظاهرة سياسية عقدوا في ختامها مهرجاناً خطابياً كبيراً.
بعد ذلك اصدر مجلس قيادة الثورة قراراً خاصاً بالعفو الشامل عن كافة المعتقلين السياسيين باستثناء الشيوعيين وبلغ عدد المفرج عنهم 934 معتقلاً معظمهم من الإخوان المسلمين.. كما قامت الثورة بتقديم خصم الإخوان اللدود إبراهيم عبد الهادي باشا إلى المحاكمة بتهمة تعذيب "الإخوان المسلمين".
هكذا يناورون: تدل الاعترافات التي أدلى بها قادة الإخوان بعد أحداث 1954م بميدان المنشية في الاسكندرية على أنهم بدأوا يعملون ضد الثورة في ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: معارضة المفاوضات المصرية البريطانية بشأن جلاء القوات البريطانية عن مصر وتوقيع اتفاقية الجلاء، وكان الإخوان اقترحوا على مجلس قيادة الثورة التوقف عن أسلوب المفاوضات وإعلان الجهاد وفتح المجال للمتطوعين من الإخوان للقتال.
وتم الرد عليهم ("بأنكم بهذا المقترح تسعون إلى استنفار الانجليز ضد النظام الجديد وهو ما لم تفعلوه مع الملك.. بل إنكم أيدتم رئيس الوزراء الطاغية إسماعيل صدقي الذي وقع مع بريطانيا على معاهدة 1936م المعروفة بمعاهدة صدقي ـ بيفن وخرجتم بمظاهرة تأييد لهذا الطاغية، ووظفتم فيها الدين والقرآن لخدمة أهدافه السياسية وأهدافكم التي تقاطعت معها حين رفعتم في تلك المظاهرة شعار: "وأذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد").
وبعد إلغاء معاهدة 1936م في 18 أكتوبر 1951م تحت ضغط الكفاح المسلح والعمل الفدائي ضد الانجليز في قناة السويس قال المرشد العام الجديد لمندوب جريدة "الجمهوري المصري" في 25 أكتوبر 1951م: "وهل تظن أن أعمال العنف ستخرج الانجليز من البلاد؟.. إن واجب الحكومة اليوم أن تفعل ما يفعله الإخوان من تربية الشعب وإعداده أخلاقياً فذلك هو الطريق الصحيح لإخراج الانجليز من مصر، كما خطب المرشد العام الهضيبي في شباب الإخوان قائلاً: "اذهبوا واعتكفوا على تلاوة القرآن الكريم"!!
وقد رد عليه خالد محمد خالد في (روز اليوسف) تحت عنوان "أبشر بطول سلامة يا جورج" في تاريخ 30 أكتوبر 1951م قائلاً: "الإخوان المسلمون كانوا أملاً من آمالنا لم يحركوا ولم يقذفوا في سبيل الوطن بحجر ولا طوبة، وحين وقف مرشدهم الفاضل يخطب منذ أيام في عشرة آلاف شاب قال لهم "اذهبوا واعتكفوا على تلاوة القرآن، ولا تتورطوا بالقتال".
الاتجاه الثاني: الاتصال بمستر ايفانز المستشار السياسي في السفارة البريطانية بالقاهرة حيث عقدوا معه عدة اجتماعات استمرت عدة ساعات في منزل الدكتور محمد سالم الذي أوضح لمستر ايفانز موقف الإخوان. وكانت هذه الاتصالات موضع مناقشة أثناء محاكمة الإخوان، حيث أتضح من اعترافات المتهمين حقائق كثيرة ومنها ان البكباشي الإخواني عبدالمنعم رؤوف قابل أيضاً موظفاً كبيراً في احدى السفارات الأجنبية وأخبره بأنه يتحدث باسم الإخوان ومرشدهم وأنهم سيتولون مقاليد الحكم في مصر بالقوة ويطلبون تأييد السفارة البريطانية للانقلاب الجديد، ثم أضاف أن "الإخوان" على استعداد بعد ان يتولوا مقاليد الحكم للاشتراك في حلف عسكري مع الغرب ضد الشيوعية، وأن هذا الحلف لن يتحقق ما دام جمال عبدالناصر على قيد الحياة. وكان المرشد العام للإخوان المسلمين اقترح على قادة الثورة ان تدخل مصر في حلف عسكري مع الغرب ضد روسيا وربطت الصحف بين توقيت الاعتداء الذي قامت به إسرائيل على الحدود المصرية في رفح وبين محاولة الإخوان لبدء تنفيذ خطتهم!!
الاتجاه الثالث: تنشيط الجهاز السري من خلال ضم أكبر عدد من ضباط البوليس والجيش إليه، وقد اتصلوا بعدد من الضباط الأحرار وهم لا يعلمون انهم من تنظيم الضباط الأحرار فسايروهم وساروا معهم في خطتهم.. وكانوا يجتمعون بهم اجتماعات أسبوعية ويأخذون عليهم من هذه الاجتماعات عهداً وقسماً بان يطيعوا ما يصدر إليهم من أوامر المرشد العام وألا ينقضوا بيعتهم للمرشد.. كما جندوا عدداً من ضباط الصف وعندما تجمعت كل هذه المعلومات استدعى عبدالناصر حسن العشماوي وقال له: "إنني احذركم من أن ما يحدث سيلحق الضرر بالبلاد ثم وضع أمامه كل ما تجمع لدى مجلس قيادة الثورة فوعد بان يتصل بالمرشد العام ويبحث معه هذا الأمر ولكنه خرج ولم يعد على حد تعبير بيان مجلس قيادة الثورة الذي صدر عقب محاولة اغتيال جمال عبدالناصر في وقت لاحق من عام 1954م بميدان المنشية في الاسكندرية!!
وفي اليوم التالي استدعى جمال عبدالناصر فضيلة الشيخ سيد سابق والدكتور خميس حميدة وابلغهما ما لديه من معلومات وما ابلغه لحسن العشماوي في اليوم السابق فوعداه بأن يعملا على وقف هذا النشاط الضار.. ولكن النشاط لم يتوقف بل اتسع!!
ومما له دلالة عميقة ان المرشد العام للإخوان المسلمين أدلى بتصريح صحفي يوم 5 يوليو 1953م لوكالة (الأسوشييتد برس) قال فيه: "اعتقد أن العالم الغربي سوف يربح كثيراً إذا وصل الإخوان إلى الحكم في مصر، وأنا على ثقة بأن الغرب سيفهم مبادئنا المعادية للشيوعية والاتحاد السوفييتي وسيقتنع بمزايا الإخوان المسلمين".. وهكذا قدم المرشد العام مزاياه للغرب الاستعماري آنذاك.. ولعل هذا الموقف وغيره من مواقف الإخوان المسلمين هو الذي دفع المستر انثوني ايدن وزير خارجية بريطانيا إلى أن يسجل في مذكراته "أن الهضيبي كان حريصاً على إقامة علاقات ممتازة معنا، بعكس الرئيس جمال عبد الناصر".
مرة أخرى، أستسمح الأستاذ أحمد الحبيشي في نقل بعضاً من مقاله الرائع، ليستفيد به من لم يعلم من أبناء مصر عن تاريخ الأخوان المسلمين.
مما يذكر أن جمال عبد الناصر القائد الوطني المصري، المسلم قلباً وقالباً وقولا وفعلا، قال فى أحد لقاءاته مع وفد من الكنيسة: "مصر للمصريين جميعا ، لافرق ولا فروق ولا فاروق".