سؤال غريب حقًا يجعل طارحه مرتبكًا، بل مجرد الفكرة التي تقول أن البشر من الممكن أن يكونوا في الواقع يعيشون في واقع اصطناعي ووهمي تبدو غير معقولة، أو على الأقل مأخوذة من أفلام الخيال العلمي.

لكن بعد التحدث مع العلماء والفلاسفة ندرك أن الفكرة السابقة ليست مزحة، بل هي تمثيل نظري عميق للواقع، بدأ يأخذ حيزًا هامًا من تفكير العلماء.

ديفيد برين، العالم الفلكي ومؤلف قصص الخيال العلمي، يقول أن ما نعيشه الآن يمكن أن يكون محاكاة للعالم ٢٠١٥ يعيش فيه ناس من عام ٢٠٥٠ ليختبروا كيف كان العالم في ٢٠١٥، أو قد يكون بعد بلايين السنين من الآن والناس في محاكاة يختبرون كيف كانت الحياة البدائية والناس من قبل.

أما الفيلسوف نيك بوستروم، مدير معهد مستقبل الإنسانية في جامعة أوكسفورد، يصف الكون الوهمي بأنه “محاكاة ببرمجيات تقنية غنية بتفاصيل البشر وأسلافهم، تم إعدادها من قبَل حضارة متقدمة جدًا من الناحية التكنولوجية.”

يقول بوستروم بأن “الأمر أشبه بفيلم “ماتريكس”، غير أنه بدلاً من وجود العقول في أحواض تغذيها عن طريق روابط حسية من جهاز المحاكاة الرئيسي، فإن هذه العقول تمثل جزءًا من المحاكاة نفسها، حيث إنه حاسوب برمجي واحد هو المسؤول عن محاكاة كل شيء، بما في ذلك العقول البشرية وصولًا إلى الخلايا العصبية ونقاط الاشتباك العصبي.”

بوستروم لا يقول أننا نعيش بالضرورة داخل مركز المحاكاة السابقة، لكن فكرته الأساسية تسعى للتأكيد أن واحدًا من ثلاثة سيناريوهات محتملة يجب أن يكون صحيحًا (بافتراض وجود حضارات ذكية أخرى) :

جميع الحضارات الكونية -خارج عالمنا- تنقرض قبل أن تصل لمرحلة النضج التكنولوجي.
 جميع الحضارات الكونية الناضجة تكنولوجياً تفقد الاهتمام في خلق أي نوع من المحاكاة.
تعيش البشرية حرفيًا في محاكاة كمبيوتر.

بيت القصيد في فكرة الفيلسوف بوستروم، هو أن -جميع- الحضارات الكونية -خارج عالمنا- إما أنها تختفي (تدمّر أنفسها مثلًا) قبل أن تصبح قادرة من الناحية التكنولوجية، أو تقرر عدم خلق محاكاة لعالم كامل (ربما لأنها غير أخلاقية بالنسبة لهم أو لأنها تصبح مملة).

كلمة “جميع” جوهرية هنا لأنه حتى لو كانت هنالك حضارة واحدة خارج عالمنا وإنها استطاعت توليد محاكاة معينة، فهذا يعني أنه حصل تضاعفات لهذه المحاكاة وتم خلق عوالم عديدة في العملية، وبهذا من المحتمَل أن تكون البشرية تعيش في إحداها.

يسير العالم راي كورزويل أبعد من ذلك، فهو يعتقد أنه من الممكن أن يكون كوننا مجرد تجربة علمية يقوم بها تلاميذ مدرسة ثانوية في كون آخر.

يستند كورزويل في فكرته إلى الآثار العميقة المترتبة على ما يحدث مع مرور الزمن للقوة الحاسوبية التي تتطور بشكل متزايد (قانون مور وما إلى ذلك).

بالنسبة له، المحاكاة الدقيقة لا تختلف عن الواقع الحقيقي، والقوانين الفيزيائية – والتي هي مجموعة من العمليات الحسابية – كلها دلائل تؤيد أن هذا الكون يعمل على جهاز حاسوب، والإنسان يشكل نمطًا معلوماتيًا في هذه المنظومة.

إنْ كنّا نعيش داخل محاكاة متكاملة، كيف نستطيع التعرف عليها؟
يشير العالم ديفيد برين إلى أن كل برنامج محاكاة نعرفه يتضمن ما يطلق عليه “الباب الخلفي”، هذا الباب الخلفي ( Back door) يمَكِّن المبرمجين من السيطرة والتجسس على الناس.

هذا الشيء خلق جدلاً سابقًا بين الدول، حيث اتهمت كل واحدة منها الأخرى بتثبيت أبواب خلفية في تعليماتها البرمجية من أجل التجسس.

وبالتالي، وفي ما يتعلق بموضوعنا، إذا كنا نعيش في محاكاة، فإن كل شيء سيكون عبارة عن عنصر برمجي، بما في ذلك كل ذرة في أجسامنا.

وبالتالي من المحتمل أن تكون في هذا العالم أبواب خلفية تركها المبرمجون – الساكنون خارج نظامنا- مفتوحة جزئياً.
وضّح مارفن مينسكي، العالم الأسطوري في مجال الذكاء الاصطناعي، الفرق بين ثلاثة أنواع من المحاكاة الذكية المقترَحة: المحاكاة بواسطة وضع العقول في الأحواض، المحاكاة الكونية كنظام برمجي خالص، والمحاكاة الكونية كأشياء مادية حقيقية.

فالتمييز بين أي من هذه الأنواع نعيش ضمنه سيكون صعبًا، إلا في حالة اقتراف المُبرمِج لبعض الأخطاء والزلات.
علماء الفلك الآن يستطيعون إجراء محاكاة لأجزاء من الكون.

وفي نفس السياق، يمتلك الفلكي البريطاني مارت ريس رؤيةً جريئةً حول الكون. يقول مارت: “بالفعل لا يمكننا القيام بتجارب على النجوم والمجرات، لكن يمكننا الحصول على كون افتراضي في حواسيبنا، بل وحساب ما يمكن أن ينتج إذا صدمنا المجرات معًا بالإضافة لدراسة تطور النجوم وما إلى ذلك.

إذاً، بما أننا نستطيع الآن محاكاة بعض الميزات الكونية بالمعنى الإجمالي، وفي ظل التطور العظيم للحواسيب، نسأل أنفسنا: إلى أي حد يمكن أن يصل إبداعنا في المحاكاة؟ إنه ليس من الجنون بأن نعتقد أنه في وقت معين من المستقبل البعيد، ستستطيع حواسيبنا محاكاة جزء كبير من العالم.”