بقلم- أحمد سالم *
بعد جولة أولى من الانتخابات الرئاسية وصفها البعض بالمسرحية الهزلية وتزوير إرادة شعب، وأكثرية بالتزوير الفني المحكم على عكس ما كان يجري في عهد النظام السابق، وآخر من وصفها بالنزيهة والحيادية، إلا أن كل الأطراف اجتمعوا على أن هذه الانتخابات لم تعبر عما أراده المصريون، فبعد الانتخابات أُصيب الأكثرية بالإحباط، وأصبح الخوف من المستقبل هو المسيطر على تفكير المصريين من عودة استبداد النظام القديم القمعي، والمتمثل في المرشح "أحمد شفيق"، وقيام دولة فاشية تحكم باسم الدين وتسيطر عليها جماعة الإخوان بتوجيهات يخضع لها مرشحهم "محمد مرسي".
الخوف يبدو في محله، فالغالبية ترفض هذين النظامين اللذين بطبيعة الحال سيؤدي كل منهما إلى نظام ديكتاتوري، رغم التصريحات المتبادلة من الطرفين بطمئنة جموع الجماهير، وإعطاء ضمانات لتحقيق الديمقراطية، والاستعانة بالثوار في تسيير أمور الدولة.. إلخ، إلا أن الكثير لا يقتنع بتلك الأمور، وأنا واحد منهم، فعندما ذهبت للتصويت في المرحلة الثانية لأني مقيم بالخارج أسقطت صوتي لعدم اقتناعي تمامًا بأي من المرشحيين، ولتكون رسالة بأن الثورة مازالت مستمرة، فالآن الكل ينظر ويترقب الميدان، ورغم حالة الإحباط السائدة، إلا أن الكل يأمل في إعادة الانتخابات مرة أخرى بعد عزل الفريق "شفيق" إذا قررت المحكمة الدستورية العليا ذلك، أو إنشاء مجلس رئاسي مدني يضم كل العناصر الوطنية ذات الخبرة.
فأنا واحد من كثيرين يرون أن هذه الجماعة إقصائية همشت الثوار، ومن أجل مصلحة الجماعة أغرقت "مصر" في غيابات الجب، من التقرب للمجلس العسكري الحاكم على حساب الثوار ودماء الشهداء، واستفتاء على الدستور تسبب في الكثير من المشاكل التي من أبرزها: استبعاد المرشح "حازم أبو إسماعيل" لأن والدته تحمل الجنسية الأمريكية، مرشح السلفيين الذين ساهموا مع الإخوان في التصويت بنعم لتلك التعديلات الدستورية، وكذلك المادة 28 التي عانى منها الكل حتى الإخوان والسلفيين أنفسهم، وأيضًا السيطرة على البرلمان من مجلسي الشعب والشورى، رغم ما سال من دماء للشهداء في محمد محمود، والذي فقد مصداقيته عند أغلب المصريين بسبب هزليته وتقاعسه عن قضايا حيوية للمجتمع المصري، وظهر بشكل هزلي مضحك للكثيرين، وأيضًا التدخل السافر في القضايا الحيوية، فهم من رحبوا بالدكتور "كمال الجنزوري" كرئيس للوزراء، بل دعموه بعد ما تم الإعلان عن حكومة ائتلاف وطني من ميدان التحرير برئاسة الدكتور "البرادعي"، ورغم سيلان دماء متجددة للشباب في أحداث مجلس الوزراء إلا أنهم التفوا حوله، وبعد فترة بسيطة تقارب الشهرين طالبوا بإقالته، وكذلك تأسيس جمعية لعمل دستور "مصر"، ومعظم أعضاء هذه الجمعية من الإخوان، ويليهم السلفيون بحجة أنهم الأكثرية في البرلمان، وتهميش كل أطياف المجتمع.
ورغم التصريحات الكثيرة للجماعة بعدم ترشيحهم لمرشح ينتمي لتيار الإسلام السياسي، ودعمهم لمرشح مدني، إلا أنهم سرعان من نقضوا العهد، وقاموا بترشيح المهندس "خيرت الشاطر"، وبعدما تم استبعاده و9 آخرين من قبل اللجنه العليا للانتخابات، قاموا بترشيح الدكتور "محمد مرسي"، فيبدو أن الجماعة من تعطشها للسلطة أصابت "مصر" بالجفاف، فكل هذا لا يدل إلا على استغلالية وانتهازية لهذه الجماعة للسيطرة على الحكم بشتى الطرق، وكذلك عدم الخبرة السياسية، فالإخوان تسببوا بأفعالهم في كوارث سياسية ذكرت بعض منها، وعلى ما يبدو أنهم المعصومون والممثلون فقط للدين، واضح جدًا في التصريحات الفجة للجماعة أنهم من ينشرون الإسلام على أهل "مصر"، وتصريحهم بأن دعوة المهندس "خيرت الشاطر" مستجابة، فلا أحد يقف في طريقه تفاديًا لدعوته، وأن الدكتور "مرسي" مرشح من عند الله! فلا داعى لكل هذه الهرطقة الصادرة من الجماعة، فالثورة المصرية خرجت من مساجد "مصر" تنادي بالحرية والعدالة الاجتماعية، وجعلوا ميدان التحرير قبلة لهم من إقامة الشعائر الدينية من الصلوات الخمسة وصلاة الجمعة، خاصة التي يحتشد لها الملايين في الميدان، فلا داعي للمزايدة والإقناع بأنهم مسلمون أكثر منا.
لكن، ما استوقفني في هذه المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية بوجه خاص، هو التشويه الفج لجماعة الإخوان المسلمين، رغم اختلافي الشديد مع هذه الجماعة، وانتهازيتها، وعدم قبولي بها، إلا أنني أجد ما يفعله الآن من يوصفون بالفلول، وكذلك بعض قنوات ووسائل الإعلام الأصفر، ما هو إلا عهر سياسي.. كيف يصفون الإخوان المسلمين المتواجدين من يوم جمعة الغضب حتى انتهاء الثورة في ميدان "التحرير" وميادين "مصر" بأنهم قتلة الثوار، وأصحاب موقعة الجمل الحقيقيين، وأن "مبارك" وأعوانه لا دخل لهم بها، بل الإخوان هم المدبر لهذا الأمر بشكل رخيص للإطاحة بنظام الحكم بعد الخطاب العاطفي للرئيس المخلوع؟ ألا يعلمون أن قيادات الإخوان كانت في تواجد بالميدان أثناء موقعة الجمل، بل أُصيب الكثير من أبناء الإخوان في هذه الجريمة، ومنهم ابن الدكتور "أكرم الشاعر" العضو البرلماني والقيادي بالجماعة، والكثيرون في هذه الموقعة؟..
معظمنا يختلف مع الجماعة في أسلوبها وسياستها الإقصائية، إلا أننا لا يمكن أبدًا أن نتفق أنهم من أجرموا وقتلوا شباب "مصر" الطاهر من الثوار، أو نصفهم بهذا، فالنظام البائد هو القاتل، وأمن الدولة المنحل بمعاونته الزبانية من الحزب الوطني المنحل هم من طمسوا أدلة الاتهام، وضللوا العدالة من أجل حماية المخلوع وأعوانه؛ لتورطهم معه في الكثير من قضايا الفساد التي ربما تجلب لهم المحاسبة والإقصاء.. اختلافي شديد مع الجماعة، ولكن أرفض اتهامهم بتلك الجريمة البشعة.
* المنسق العام لحملة دعم دكتور البرداعي سابقا في أوروبا، وعضو مؤسس في الاتحاد المصري الحر بالخارج، وعضو مؤسس في جمعية مصريين بلا حدود أسبانيا.