يوسف سيدهم
ما كدنا نحتفل الشهر الماضي بتوقيع اتفاق السلام بين كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والبحرين وبين إسرائيل, وهو الاتفاق الذي حقق ليس فقط انضمام دولتين عربيتين إلي نادي السلام العربي/ الإسرائيلي, إنما أيضا -وهو الأهم- تحييد وتجميد صفقة القرن التي أعلنها الرئيس الأمريكي ترامب وبموجبها أعطت أمريكا لإسرائيل حق ضم الأراضي الفلسطينية وترك الفتات لمائدة المفاوضات مع السلطة الفلسطينية… أقول ما كدنا نحتفل باتفاق السلام هذا ونتطلع إلي تهيئة الأجواء نحو إقناع الفلسطينيين -السلطة وحماس- بالجلوس إلي مائدة المفاوضات حتي طالعتنا الأنباء الأسبوع الماضي بخبر غريب له مغزاه ويدل علي أن جميع أمانينا لحل القضية الفلسطينية تتحطم علي ما يدور خلف الكواليس بين إسرائيل وحماس.
الخبر نشرته صحيفة الأهرام نقلا عن القناة 12 العبرية ويكشف النقاب عن اتصالات جارية بين جهاز المخابرات الإسرائيلي موساد وقطر بغية ضمان استمرار تدفق الأموال القطرية إلي حركة
حماس في قطاع غزة في الأشهر المقبلة حتي لا تنضب تلك الأموال فتلجأ حركة
حماس إلي خلق قلاقل بين غزة وإسرائيل مما يؤدي إلي تصعيد الأوضاع وكسر الهدنة السائدة وتكرار المواجهات والأعمال العسكرية.
هذا هو مضمون الخبر, وأتركه كما هو للبسطاء والسذج ليصدقوه!!… أما العارفون ببواطن الأمور فلن يفوتهم أن يسألوا: ومتي كانت إسرائيل حليفة لحركة
حماس وساعية لدي قطر لتأمين الحركة ماليا؟… وهل حقا تبغي إسرائيل من وراء ذلك استمرار الهدنة بينها وبين قطاع غزة تحاشيا لتفجر مواجهات عسكرية؟… ألا تدرك إسرائيل وحركة
حماس معا أن التحرشات السابقة التي تسببت فيها
حماس بإطلاقها صواريخ علي المستوطنات الإسرائيلية وصفتها إسرائيل نفسها بأنها لا تعدو أن تكون لعب أطفال ومع ذلك قامت إسرائيل بالرد عليها بمنتهي العنف والقسوة وأحدثت تدميرا فادحا في المنشآت العسكرية ومعاقل القيادة في قطاع غزة؟… إذا تلك القصة حول المساعي الرحيمة للموساد من أجل ضمان التمويل القطري ل
حماس اتقاء لشرها للأسف لا تنطلي علي العارفين بحقائق وبواطن الأمور.
فالحقيقة المسكوت عنها هي أنه منذ سنين طويلة التقطت إسرائيل واقع الانقسام الفلسطيني وعملت بكل قواها نحو استثماره لصالحها من أجل تعطيل مائدة المفاوضات بينها وبين الفلسطينيين ولم يكن عسيرا عليها أن ترصد توجهات أباطرة
حماس الذين يجاهرون بالجهاد من أجل استعادة فلسطين لكنهم يهربون من التنسيق مع السلطة الفلسطينية وتوحيد الجهود نحو أن تري الدولة الفلسطينية النور ويتركون الشعب الفلسطيني مأسورا مذلولا في مخيمات اللاجئين بينما يحيون حياة الترف والبذخ في قطر… فكان أن وجهت إسرائيل جهاز مخابراتها لضمان بقاء ذلك الوضع علي ما هو عليه واستثمرته أحسن استثمار في المحافل الدولية مدعية أنها تبغي التفاوض مع الفلسطينيين لوضع حد لمشكلة الشرق الأوسط والاتفاق علي دولة فلسطينية لكنها عاجزة عن إدراك ذلك بسبب الانقسام الفلسطيني.. فمع من تتفاوض ومع من تتفق؟!!!
وبقي هذا الواقع الكئيب يفرض نفسه ويحول دون إنهاء المشكلة الفلسطينية -ليس بسبب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إنما بسبب الانقسام الفلسطيني الفلسطيني- ولعل ذلك يستدعي إلي الذاكرة الجهد الدؤوب المضني الذي بذله اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات المصرية الذي تبني جولات وجولات من جلسات المصالحة الفلسطينية من أجل توحيد الصفوف ولم الشمل والجلوس إلي مائدة المفاوضات مع إسرائيل, وكلما كان يصرح بنجاح المفاوضات سرعان ما كان يرث الإحباط والحسرة بسبب تنكر حركة
حماس لما اتفق عليه وهروب قياداتها من الاجتماع المزمع لتوقيع اتفاق المصالحة… وتبين للكافة أن
حماس لا تملك الإرادة السياسية ولا الرغبة في حل القضية الفلسطينية لأن في ذلك تهديدا بخروجها من المشهد السياسي وفقدان قادتها الورقة النضالية التي يحصلون بفضلها علي الدعم والتسليح والتمويل ومقاعد القيادة.
لكن الآن جد جديد في معطيات اللعبة السياسية… فقد تم توقيع اتفاق السلام بين الإمارات والبحرين وبين إسرائيل وجاء الاتفاق مشروطا بتجميد إسرائيل صفقة القرن وتوقفها عن ضم الأراضي الفلسطينية… وبالرغم من الرفض والشجب المألوف من الجانب الفلسطيني لاتفاق السلام هذا لاح في الأفق بصيص أمل يدعو لبذل الجهد مرة أخري نحو إدراك المصالحة الفلسطينية وإلزام إسرائيل بالجلوس إلي مائدة المفاوضات للاتفاق علي شكل وحدود الدولة الفلسطينية المرتقبة… فكان لزاما علي إسرائيل أن تعمل علي تقويض تلك الجهوض وإجهاض أي احتمال للمصالحة الفلسطينية… وهنا تحرك جهاز الموساد للسعي لدي قطر لاستمرار تمويل
حماس في غزة بمقولة خوف إسرائيل من نضوب ذلك التمويل ولجوء
حماس إلي استفزاز إسرائيل بإطلاق صواريخ لعب الأطفال علي المستوطنات الإسرائيلية… يا ماما!!!… أرأيتم هذه المسرحية الهزلية بطولة الموساد و
حماس وقطر؟!!!… ولا عزاء للشعب الفلسطيني… أما للإمارات والبحرين فأقول: سعيكم مشكور!!!