د. مينا ملاك عازر
في هذا المقال نستأنف ما بدأناه من عرض للأوضاع الدبلوماسية والعلاقات السياسية وبالتحديد العلاقات المصرية الأمريكية التي تمس الوضع بالشرق الأوسط والتي أثرت على قرار متخذ القرار المصري في قراره بالحرب.
ولنعد للدور الأمريكي، لنرصد كيف أُعيد تفعيله بتنفيذ اقتراح كيسنجر سالف الذكر، بأن تكون هناك مباحثات على مستوى رفيع، وذلك بدعوة كيسنجر لحافظ إسماعيل لزيارة واشنطن في 23 فبراير حيث تقابل مع نيكسون وسلمه رسالة من السادات تضمنت تقديره للدعوة التي وجهت لحافظ لتبادل وجهات النظر حول ما يهم البلدين، وقد أبلغ نيكسون حافظ بأن الإدارة الأمريكية قد أخطأت التصرف في مشروع السد العالي، وأكد رغبته في إقامة سلام دائم في الشرق الأوسط، ولو أنه لن يفرض آراءه على أحد، ورد حافظ بأن بلاده ترحب بمرحلة جديدة للتفاهم، وقد استبعد نيكسون أن يكون لديه حل للمشكلة، أو أن يتمكن من التوصل لتسوية شاملة فوراً، واقترح أن يكون هناك مباحثات على مستويين أحدهما علني على مستوى وزراء الخارجية، والآخر سرياً على مستوى حافظ وكيسنجر.
وبالفعل، التقى حافظ وكيسنجر سراً يومي 25و26 فبراير عام 1973، وشارك معهما عضوان من مجلس الأمن القومي، هما بيتر رودمان Peter Rodman وهارولد سوندرز، وقد عرض حافظ أن تكون نقطة البداية هي حل مشكلة النزاع المسلح حتى يتطور لتطبيع الأوضاع في المنطقة، واقترح أن يستند ذلك إلى قرارات الأمم المتحدة وتفسيرات الدول الكبرى للقرار 242، والاتفاقات المعنية، وعرض ضرورة خفض الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل، وأن فض الاشتباك على الجبهة العربية الإسرائيلية سيؤدى إلى تسوية قضية فلسطين، ثم قيام سلام نهائي.
وخلال الاجتماع أبلغ كيسنجر حافظ بأن الولايات المتحدة لا تستطيع الضغط على إسرائيل لاتخاذ موقف بعينه، ورأى ضرورة قبول فكرة التوصل إلى تسوية تنفذ على مدى طويل، وعارض أن يتم الربط بين إنهاء حالة الحرب بمسألة الاعتراف بإسرائيل على أساس أن شرعية إسرائيل لا يجب أن تكون محل نقاش، وكان كيسنجر عنيداً بشأن الانسحاب الإسرائيلي التام من سيناء والجولان، ومرناً بشأن ما يتعلق بالضفة الغربية، واقترح أنه مع إعادة السيادة المصرية على أراضيها تستمر بعض الترتيبات الأمنية في بعض المناطق مثل تواجد عسكري إسرائيلي في شرم الشيخ، ومحطات الإنذار الجوي داخل الحدود المصرية، واستمرار الرقابة الجوية الإسرائيلية فوق سيناء، وهذه التدابير يمكن إنهاء بعضها خلال فترة إنهاء حالة الحرب وإقامة السلام.
أما حافظ إسماعيل فقال إنه يرى أن تحقيق تسوية سياسية سوف يتضمن إنهاء حالة الحرب وتنفيذ العديد من الإجراءات كإنهاء المقاطعة الاقتصادية وتوقف كل العمليات الفدائية من الأراضي المصرية، وتأمين المرور من قناة السويس ومضيق تيران وإقامة ترتيبات أمن دولية، وأضاف أن اعترافنا بإسرائيل رهن بتحقيق تسوية شاملة يتحدد فيها شكل دولة إسرائيل التي سنعترف بها، وأن الأمن يجب أن يتحقق لمصلحة الطرفين ولا يترتب عليه أي امتيازات استراتيجية لطرف دون الآخر واقترح:
-إنشاء مناطق منزوعة السلاح تحت إشراف دولي.
-انتشار قوات دولية في مناطق خاصة ولمدة محددة مثل شرم الشيخ.
- تقديم ضمانات القوى الكبرى للاتفاق المعقود وضمان مجلس الأمن له.
وأكد حافظ إسماعيل لكيسنجر حرص بلاده على التوصل لتسوية شاملة سلمية للصراع العربي الإسرائيلي ومع ذلك لا يعني هذا تحقيق السلام بأي ثمن، وعندما تعذر اتفاق وجهتي النظر بين حافظ وكيسنجر في هذا اللقاء، اتفقا على معاودة الاجتماع في وقت مبكر، ولم يكن كيسنجر متعجلاً للوصول إلى اتفاق قبل انتهاء الانتخابات الإسرائيلية التي كان مقرراً لها شهر أكتوبر 1973.
ولنتوقف هنا لنرصد في المقال القادم كيف يمكننا تحليل الموقف الأمريكي؟ وكيف نراه في ضوء ما تقدم وما هو آتي ذلك الدور الذي أثر بعدم حياديته ربما في اتخاذ قرار ضرورة الحرب لتحريك الأزمة.
المختصر المفيد لا يوجد في السياسة من يحارب لك حربك.