محرر المنيا
اكد نيافة الحبر الجليل الانبا مكاريوس اسقف عام المنيا وابو قرقاص تعقيبا علي فيديو مشاهد زبح الاطفال داخل الكنيسة تمثيلا بمشاهد استشهاد شهداء مصر بليبيا أنه تقدم بعض الأفلام والمسرحيات والاسكتشات والدراما عمومًا الخاصة بسير الشهداء، مشاهد تفصيلية أحيانًا للتعذيب والقتل، وهي مشاهد بلا شك مؤلمة، سواء من جهة قسوة الجنود المُكلَّفين بذلك، سواء في عمليات التعذيب المتنوعة، إلى سفك الدماء، لا سيما عندما يبالغ المخرج تحت تأثير الرغبة في إثارة المشاهد (الأكشن action).
والحقيقة أن ذلك يمثل خطورة بالغة على المشاهدين ولا سيما الأطفال، فالطفل الذي لم يرتقِ إيمانه بعد إلى المستوى الذي يؤهّله لتقديم حياته من أجل الله، محتملًا في ذلك ألوان التعذيب الرهيبة، سوف يترسّخ لديه أن كل من يتبع الله سيناله قطعًا هذا المصير المرعب! وقد سمعت من بعض البالغين إنهم عندما كانوا أطفالًا كانوا يختبئون تحت الأسرّة عندما تأتي مشاهد التعذيب في أفلام الشهداء، التي تعرضها القنوات الفضائية أو شرائط الفيديو.
وأرى أنه من المهم جدًا إنماء روح الاستشهاد لدى أطفالنا سواء من أجل الوطن أو من أجل الإيمان، ولكن بشيء من الحِرفية والحكمة، بحيث يمكن التأكيد على ضرورة احتمال الآلام وقبول الموت والفوز بالإكليل المُعد للشهداء، وأن الله يهب الشخص في تلك الظروف قوة ونعمة خاصة، ولكن دون عرض تفاصيل التعذيب والقتل.
أتذكر أنه عندما عُرِض فيديو إعدام الرئيس العراقي الأسبق "صدام حسين"، حُذِفت منه اللحظات الحرجة، مع تعليق للناشر أن الحذف جاء بسبب طبيعة المشهد المؤلمة. وفي المصارعات الحرة التي يُعاد نشرها، يحرص المسئولون عن النشر على حذف لحظات الاصطدام المروِّع او الإصابات الخطيرة. وكثيرًا ما يحذّر الناشرون لبعض الأفلام ذات المشاهد التي سيكون مردودها سلبيًا، أنه يُحظَر المشاهدة لمن من هم دون الثامنة عشرة من العمر، وذلك خوفًا على مشاعرهم، وحتى لا تطاردهم هذه المشاهد المرعبة في يقظتهم وفي منامهم.
ومن جهة أخرى فقد تنمّي تلك المشاهد روح العنف والدموية لدى شريحة من المشاهدين، وأذكر أنه في فيلم "شيء من الخوف" أراد بطل الفيلم أن ينمّي روح الثأر والانتقام في حفيده، فقام بذبح طائر أليف أمام عينيه، وكان الابن حينذاك ما يزال طفلًا؛ ولكن هناك فارق بين الشجاعة من جهة، والعنف والدموية وروح الانتقام من جهة أخرى. كما أن هناك فارقًا بين الدفاع عن الأوطان بكل السبل، أو القتل على خلفية جنائية، (الحروب الشرعية والجرائم) كما تنمي المشاهد الدموية منهج الإرهاب وسهولة القتل. ونعرف أن بعض الجماعات الإرهابية تدرب الأطفال على القتل بأنواعه، بل يُجبَر بعضهم على قتل أقرب الناس إليه، للتغلُّب على التعاطف الإنساني ورابطة الدم وحب الحياة وتقدير قيمتها.
وهنا أهيب بالكُتّاب والمخرجين ألّا يغالوا في وصف شرور البطل وقوته الأسطورية، وحياته الماجنة المترفة، وعلاقاته المتسعة،وسطوته ونفوذه، حتى لو تم القبض عليه ومحاكمته في نهاية العمل الدرامي، فقد يُسوِّق بذلك ليس للقانون والفضيلة، قدر تسويقه للرذيلة والخروج على القانون والتشجيع على الجريمة.
ولعلنا نلاحظ أن رسّامي الأيقونات القبطية في البداية، تحاشوا وضع تفاصيل العذابات في أيقوناتهم، مثلما فعل كاتبو الإبصاليات والذكصولوجيات، بل اكتفوا بالإشارة إليها فقط، بل هناك بعض الأيقونات للصلبوت يختفي منها الرب المصلوب نفسه.. ومع ما وراء ذلك من بُعد عقائدي، إلّا أن أحد معانيها هو أن الفخر صار بالصليب كله «عاملًا الصلح بدم صليبه» (كو 1: 20)، فاستخدم هنا كلمة الصليب مكان المصلوب. قرأت كذلك أن أكثر المؤرخين القدامى تعفّفوا عن تدوين تفاصيل عمليات الصلب، بعكس الذين سجلوا فظائع جماعات الاسكيثيين قديمًا.
لا ينكر أي أحد ما للإعلام والدراما من تأثير على المجتمع، فقد أصبحت وسائل الإعلام شريكًا أساسيًا في التربية، ومن ثَمّ إعلاء القيم والفضيلة والمشاعر الإنسانية الراقية. لذلك فإن الأبطال المحبوبين لدى الناس يجب ألّا يؤتوا أفعالًا تستوجب العتاب، حتى لا يقلدهم المشاهدون ويتقمصون شخصياتهم. وأذكركم بأن انتشار العنف بين شريحة كبيرة من الشباب، كان أحد اسبابه بعض مواد الدراما، وكذلك الألعاب ذات السمة العنيفة والدموية.
أخيرًا.. أرى أنه لا يليق بنا استخدام صحن الكنيسة للأعمال الدرامية أو أيّة أنشطة، حتى لا يفقد الشعب هيبتها، وإنما للصلاة والتعليم والخدمات الطقسية.