د. مينا ملاك عازر
توقفنا في المقال السابق عند التغيرات التي طرأت على الإدارة الأمريكية حيال القضية والأزمة وعملية السلام بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط، وهنا نستأنف الحديث عن الموقف بحالة الغموض التي تكتنفه.
ومع حالة الغموض التي اكتنفت الموقف الأمريكي، بدا واضحاً، أن الساسة المصريين عليهم أن يتخذوا موقفاً إيجابياً، ويبدو أن السادات قرر أن يستثمر عودة العلاقات المصرية السوفيتية في دعم موقفه أمام الإدارة الأمريكية، فإن سلمنا بأن السادات لم يكن يعلم أن ثمة مفاوضات ستجرى بين بلاده والولايات المتحدة، فكان عليه أن يحسن علاقته بالاتحاد السوفيتي ليستطيع أن يحرك القضية سواء سلماً أو حرباً، أما إن كان السادات على علم بأنه ستجرى بالفعل مفاوضات مصرية أمريكية على مستوى رفيع حسب ما جاء ببرقية كيسنجر في 26 يوليو عام 1972، فيبدو أنه رأى في تطور العلاقات المصرية- السوفيتية خير سند له في موقفه التفاوضي الجديد مع الإدارة الأمريكية. ومن ثم رحب برسالة ليونيد بريجينيف Leonid Breghnev سكرتير الحزب الشيوعي له في 18 يناير عام 1973م والمتضمنة استعداد بلاده للتعاون لإزالة آثار العدوان، ومؤكداً أن التحول في العلاقات السوفيتية الأمريكية لن يؤدى إلى وفاق يمكن استخدامه ضد الدول العربية.
وفيما يعد ثمرة لهذه الاتصالات، سافر محمد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومي المصري إلى موسكو في 7 فبراير عام 1973، حيث التقى مع وزير الدفاع أندريه جريتشكو Andrei Grechko الذى أوضح له أنه لم يحدث أي تغيير في الموقف الأمريكي منذ مؤتمر القمة في مايو عام 1972، حيث توقف الأمريكيون عن الحديث في قضية الشرق الأوسط.
وفى اليوم التالي، التقى مع ليونيد بريجينيف، وأثار حافظ إسماعيل عدة نقاط، أهمها ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي المحتلة، وتأمين الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ودعم مصر عسكرياً واقتصادياً، وعرض حافظ إسماعيل موافقة مصر على حضور اجتماع مصري أمريكي بهدف استطلاع مدى جدية الولايات المتحدة في اتخاذ موقف أكثر توازناً بين دول المنطقة، وطلب أن يمارس السوفييت ضغطاً على الولايات المتحدة خلال اجتماع القمة المزمع انعقاده في واشنطن، فعرض السوفييت قيامهم باتصالات مع واشنطن وإسرائيل لتحريك القضية، ووافق السادات على قيامهم بهذا الدور.
وبقبول السادات ممارسة السوفييت الضغط على الإدارة الأمريكية، ما يُزكى ما ذهبنا إليه من أن دعم العلاقات السوفيتية المصرية لا يزد عن كونه ورقة يضغط بها السادات لتفعيل الدور الأمريكي في عملية السلام.
ولنتوقف هنا لنلتقي في المقال القادم بإذن الله في حديث مركز عما فعلته الإدارة في مصر حيال أمريكا وكيف تواصل الطرفان المصري والأمريكي وكيف كانت ثمار تلك الاتصالات.
المختصر المفيد السياسة فن الممكن بفعل المستحيل.
