بقلم – روماني صبري
القول بان جائزة أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة (الأوسكار) هي الأعرق والأعظم في التاريخ، والتي تمنح لتكريم الفنانين والمخرجين ومدراء التصوير، ومهندسي الديكور والقائمون على الأعمال السينمائية عموما، يرضي الكثيرون لاسيما في الشرق الأوسط، ومرد ذلك إلى نجاح الولايات المتحدة في الدعاية لنفسها، دونا عن سائر الدول، لذلك نرى على ارض الواقع أفلاما كثيرة في نظر البعض هي الأعظم، والسبب حصولها على تمثال الأوسكار الذهبي، والواقع يقول أيضا أن أفلاما عظيمة كثيرة تجاهلتها الأكاديمية لأسباب تخصها ومنها سياسية، لازالت تعيش في الوجدان، ومنها أعظم فيلم في نظري للايطالي "سرجيو ليوني"، مخرج فيلم "الطيب والشرس والقبيح"، وهو "حدث ذات مرة في أمريكا"، وكذا أفلام ستانلي كوبريك، والروسي اندريه تاركوفسكي، والفرنسي روبرت بيرسون، وغيرها من الأفلام ، لذلك يمكنني تشبيه "مهرجان كان السينمائي" بالكوبري الأضخم الذي يستوعب أفلاما من كل دول العالم ويكرم الكثير من صناعها لاسيما الواقعية التي تعتمد على البساطة، في الحقيقة مهرجان كان لم يرتكب جرائم كثيرة بحق أفلام استحقت الإشادة، كما الأوسكار.
حتى في أوروبا الناس يهتمون بالأوسكار، ولازال الفيلم الأمريكي يتوغل في جميع دول العالم، ولا أرى في ذلك عيبا، بل نجاحا يحسب لأمريكا، فقبل الحفل بشهور يستعد الناس له، ودائما ما تذهب عيونهم في التغامز لبعضهم البعض والتلهف الذي يعتريهم والكل منهم يأمل أن يحصل فيلمه المفضل علي جائزة الأوسكار، لكن في كثير من الأحيان، ينتهي الحفل بخيبة أمال لكثيرين، فيذهبون إلى فراشهم بحزن يعتريهم، وربما يتوعد ويقسم بعضهم بعدم مشاهدة حفل توزيع جوائز الأوسكار المقبل لكن هيهات.
كثيرون لا يستطيعون إنكار تجاهل أكاديمية فنون وعلوم الصور لأفلام وممثلين ومخرجين ابدوا رضاهم عنهم، فمحبين البريطاني كريستوفر نولان، يحلمون باليوم الذي سيرفع فيه التمثال، فأفلام الرجل تحقق أعلى الإيرادات !، كذلك محبي آل باتشينو، الذي ترشح للأوسكار أكثر من 16 مرة، وحصل على التمثال عن دور الجنرال فرانك سليد في فيلم عطر امرأة، والذي يعتبر اقل أداء قدمه مقارنة بأفلامه الأخرى، مثل طريق كارليتو والعراب والوجه ذو الندبة والعدالة للجميع وسربيكو ...الخ الخ، كذلك حصول دي كابريو علي الجائزة، عن دوره في فيلم العائد، أراه تعويضا له كونه ترشح كثيرا عن ادوار قدم فيها أداء أكثر عبقرية عن الفيلم المذكور، ربما لأنه قدم هذه الأدوار في أفلام "مارتن سكورسيزي" ؟ّ!، الذي فضح في أفلامه الشارع الأمريكي.
يظل مهرجان كان" " festival DE CANNES ذو مكانة عظيمة لكل محبي الأفلام والمنقذ لها، وهو الذي يقام في مدينة كان الفرنسية، ماذا لو تكلمت أجهزة العرض السينمائية؟، لقالت : فرنسا أمي ! ... فرنسا البلد الذي أنار حياتنا بالسينما، فأول صورة فوتوغرافية ثابتة في التاريخ كانت في فرنسا عندما التقطها العالم الفرنسي الكيميائي الشهير نيسيفور نيبيسي في سنة 1826 عندما قام بتصوير أسطح باريس من نافذة معمله .
لنواصل العودة للماضي، في عام 1895 تمكن "إخوان لوميير" من تحريك بعض الصور الثابتة عن طريق اختراع جهاز العرض السينمائي ، وكانت الثقوب المسننة علي شريط الفيلم، تسمح بالتحكم فيه داخل جهاز العرض، ليعرضا أول أفلامهما الصامتة بصالة جراند كافيه في باريس وهو "خروج العمال من المصنع"، ورصد الفيلم الحياة الروتينية للعمال، إذا كانت السينما منذ نشأتها ترفيهية في صف الإنسان، لذلك من الطبيعي أن تهتم بلد مثل فرنسا بتقدير الأفلام لاسيما غير التجارية، وكل الأفلام جميلة سواء كانت تجارية أو غير ذلك، والبساطة في الأفلام لا تعني بان يحتوي الفيلم علي كثير من الأخطاء الإخراجية ، وقفزات في السيناريو، أو لا تتفق صورته مع موضوعه، بل علي العكس فالبساطة تعني الواقعية وان يكون الفيلم مريح للروح البشرية ويستطيع اختراقها دون أن يتسبب لها في إزعاج ، مثل الحمام عندما يهبط فوق أسطح الكنيسة، حتى لو كانت القصة قاسية، وهو ما يجعل تلك الأفلام خالدة.
the shawshank Redemption ، ترشح لسبع جوائز اوسكار ولم يفز بأي منها !، ويرى البعض أن السبب في ذلك تنافسه مع فيلم "فوريست جامب"، رغم إخراجه العبقري وجمال السيناريو والحوار وسحر التصوير والإضاءة ، كذلك ثلاثية ريتشارد لينكلاتر التي بدأها عام 1995 بقبل الشروق ، قبل منتصف الليل 2013 ، قبل الغروب 2014 والتي أراها من أعظم الأفلام الوجودية الرومانسية الواقعية، من بطولة جولي دلبي وايثان هوك وأفلام أخرى كثيرة، لنكن واقعيين، الغالبية يحبون الأفلام التي تعتمد على الإبهار التي يستخدم في صناعتها "الكروما" لإضافة الخدع والمؤثرات باستخدام برامج الجرافيك بعد تفريغ الخلفية، وفي الآونة الأخيرة، اهتمت الأكاديمية بهذا النوع من الأفلام، وأيضا أقول هذه ليست مشكلة، فالسينما ترفيهية في المقام الأول، لكن عندما اخرج "جيمس كاميرون" مخرج "تيتانيك"، فيلم الخيال العلمي "افاتار" الذي حقق إيرادات تخطت الـ2 مليار دولار، لم يتوج بالجائزة التي ذهبت لطليقته "كاثرين بيجلو" لإخراجها "الخزينة المغلقة" الذي يرصد معاناة الجيش الأمريكي في حرب العراق، بينما تحدث كاميرون في "افاتار" عن الجيش الأمريكي وحبه للسيطرة على العالم، ما عكس نظرة الأكاديمية السياسية للأفلام، وهو ما حدث مع ستانلي كوبريك في فيلمه "البرتقالة الآلية".
لذلك كان هو الأضخم الذي يستطيع تحمل كل أفلام العالم لاختيار الأفضل منها للتنافس علي السعفة الذهبية، وجوائز أخرى، وليس هذا فقط فالمهرجان لا يقتصر علي الأفلام الطويلة فقط بل القصيرة أيضا، بالإضافة إلي توفير عدد كبير من السينمات حتى يتمكن صناع الأفلام من عرض أفلامهم مقابل مبلغ مادي مما يؤدي إلي شهرتها، كونها عرضت داخله وصبغت بالعالمية، كان تم اختيار الفيلم المصري شباب امرأة للمخرج صلاح أبو سيف للمشاركة في المسابقة الرسمية لمهرجان كان ، أيضا اهتم المهرجان بأفلام المخرج المصري يوسف شاهين ومنحة جائزة الانجاز العام عن فيلم المصير عام 1998 ،وقد حصل الفيلم اليوناني الرائع جراد البحر للمخرج اليوناني يورجوس لانتيموس علي جائزة أفضل مخرج في مهرجان كان 2015 وحصل الفيلم اللبناني القصير الموجات علي جائزة السعفة الذهبية للمخرج ايلي داغر، كما حصل على السعفة الذهبية المخرج الايراني عباس كيارستمي عن فيلمه "طعم الكرز"، الياباني اكيرا كوروساوا عن "كاجيموشا"، التركي نوري جيلان عن "البيات الشتوي"، النمساوي "مايكل هاينيكي" عن "الشريط الأبيض"، اليوناني ثيودوروس انجيلوبولوس، عن فيلمه "الأبدية ويوم آخر"، وغالبية هذه الأفلام لم تلتفت لها الأكاديمية.
اهتم المهرجان بأفلام الروسي تاركوفسكي ومنحه جوائز برغم حظر أفلامه في تلك الفترة بسبب تعنت الاتحاد السوفيتي، لكنه لم ينصفه في النهائية، على أي حال ليست الجوائز هي من تحدد قيمة الفيلم.