في مذكراته التي حملت عنوان "50 عاماً في قطار الصحافة" روى الكاتب الصحفي الراحل "موسى صبري" قصة خناقة حامية وقعت بينه وبين السيدة "أم كلثوم"، تبادلا خلالها الكلام الحاد، وقت أن كان "موسى" يعمل محرراً في جريدة الأخبار، و"أم كلثوم" على القمة، كان ذلك في عام 1954، بالتحديد في شهر يوليو من ذلك العام، حين تم توقيع اتفاق الجلاء بين مصر وبريطانيا، وهو الاتفاق الذي نص على جلاء القوات الإنجليزية عن مصر بعد احتلال دام أكثر من 70 عاماً.

يروي "موسى"، أن "مصطفى أمين"، رئيس تحرير الجريدة وقتها طلب منه الاتصال بـ"أم كلثوم"، وأعطاه رقم هاتفها، لكي يسألها عن كيف عرفت بنبأ توقيع اتفاقية الجلاء، وكيف ذهبت إلى الإذاعة، وتحدثت في الميكروفون تقدم نشيد الجلاء الذي سبق أن غنته في حفلة الجيش، وبالفعل اتصل "موسى" بـ"أم كلثوم"، وروت له القصة، وكتبها، وأرسلها قبل النشر إلى "مصطفى أمين" لمراجعتها، على أساس أنها "صديقته"، حسب تعبير "موسى"، وتمت مراجعة القصة ونشرها "موسى" في مجلة الجيل التي كانت تصدر عن دار أخبار اليوم، وكان يرأس تحريرها وقتها.

وبعد النشر، يواصل "موسى": "كنت في الإسكندرية، أجلس في بهو فندق سيسيل مع كامل الشناوي، وفتحي غانم، وفجأة ظهرت أم كلثوم، كانت تقيم في الفندق، واتجهت من المصعد لتحية كامل الشناوي، وقدمني إليها، فإذا بها تسلم على من طرف أصابعها، في تعال سخيف، وهي تقول بسخرية: وإيه يعني؟ وفقدت أعصابي.. وارتعشت وقلت لها في استعلاء أكثر: وإيه يعني أم كلثوم! وقالت: وإيه يعني اللي بتكتبه في الجيل.. قلت: أنا لا أكتب إلا الحقيقة.. وأدرت ظهري، وكامل الشناوي مرتبك بيننا".

وتستمر الحكاية، ليعرف "موسى" فيما بعد أن "أم كلثوم" غاضبة للقصة التي نشرها عن يوم اتفاقية الجلاء، وأن "كامل الشناوي" أبلغه أنها فهمت من المنشور أن الكتابة أوحت أنها خرجت من بيتها إلى دار الإذاعة بقميص النوم.

ظلت العلاقة متوترة بين الصحفي وسيدة الغناء العربي حتى كان يوم عيد ميلاد الصحفي الراحل "علي أمين"، واقتصر في الدعوة إلى منزله على "أم كلثوم"، وشقيقه "مصطفى أمين"، وزوجته "خيرية خيري"، وطبعاً "موسى صبري"، وهناك أدار "علي أمين" في جهاز التسجيل أغنية جديدة لـ"أم كلثوم"، عبّر "موسى" عن إعجابه الشديد بها، مما أعجب "أم كلثوم" التي كانت في قمة السعادة لنجاح اللحن، ثم حدث أن أصدر "موسى صبري" كتابه الشهير "قصة ملك و4 وزارات" في بداية السبعينيات من القرن الماضي، وقام بإهداء نسخة منه لـ"أم كلثوم"، التي فاجئته في اليوم التالي بأن تحدثت إليه في التليفون قائلة إنها أمضت طول الليل ساهرة تقرأ الكتاب، وقد انقطع التيار الكهربائي، فاستعانت بشمعة أكملت القراءة على ضوئها حتى آخر صفحة!

ويعلق موسى على ذلك بقوله: "كان ذلك أروع تحية لي من أم كلثوم".