المشروبات الروحية بالعراق. . تجارة رائجة رغم التحريم والمنع
تزدهر في العراق بشكل متزايد تجارة الحكول رغم منعها من قبل السلطات في الكثير من المنطاق وتحريمها دينيا من قبل المسلمين، ولا تسمح السلطات العراقية الا لعدد محدود جدا من المحال بالعمل في هذه التجارة التي تشهد اقبالا متزايدا ولكن بشكل سري.
رغم تعرض متاجر الكحول في العراق لاعتداءات بين الحين والآخر وصعوبة الحصول على المشروبات الروحية الا من خلال منافذ معينة الا ان هذه التجارة تزدهر اليوم بشكل واسع جدا بسبب زيادة اعداد المستهلكين للكحوليات بين العراقيين .
محل للمشروبات الروحية في بغداد اثر تحطيمه
كما ان هناك سببا آخر ، وهو تغيّر العادات الاجتماعية لدى كثيرين بسبب الانفتاح الاعلامي والاقتصادي الذي يشهده العراق منذ عام 2003 ، بحسب الباحثة الاجتماعية سهير شاكر التي تتحدث عن مشاهدات يومية واستطلاعات ميدانية تفيد بانه في الوقت الذي انخفضت فيه اعداد الذين يجاهرون بتناول الكحوليات فان اعداد الذي يدمنون عليها بصورة سرية آخذ بالازدياد بسبب الخشية من جهات متطرفة تعتبر هذه الممارسة سلوكا محرما يتوجب العقاب .
كحول في كربلاء
وفي محافظة كربلاء (108 كم جنوب غربي بغداد) ، وهي مدينة دينية ، اعتقلت الشرطة هذه الاسبوع مجموعة من الاشخاص وبحوزتهم ، 500 زجاجة كحول أثناء محاولة تهريبها من العاصمة بغداد وهي معبأة تحت صناديق الطماطم .
وبحسب السلطات في المدينة فان قدسية المكان تجعل من تجارة الكحوليات أمرا غير قانوني وغير شرعي، ويسيء الى قدسية المدينة ويدمر عقول شبابها.
وكانت السلطات المحلية في كربلاء أصدرت العام 2010 قراراً منعت بموجبه الاستماع إلى الأغاني ومشاهدة مقاطع الفيديو التي تعد خادشة للحياء، كما أوصت أصحاب المحال التجارية بعدم عرض أنواع من الملابس النسائية أمام محلاتهم، فيما منع إدخال المشروبات الكحولية إلى المدينة، في خطوة تهدف إلى الحفاظ على قدسيتها.
وشهدن السنوات السابقة في اغلب مدن العراق حرق وتحطيم مخازن ومتاجر المشروبات من قبل متطرفين دينيين ، ولا يستثنى من ذلك اقليم كردستان .
تجارة سرية
ويعترف رحيم عبد الامير التاجر ( السري ) للكحوليات ان الطلب عليها يشجع على التهريب من المنافذ الحدودية ، مضيفا بانه يوزع المشروبات بصورة شبه سرية على المستهلكين حيث يوصله الى محلاتهم وبيوتهم .
ومما يشجع على شراء الكحوليات رخص اسعارها مقارنة بدول الجوار ، بسبب انخفاض الضريبة على السلع المستوردة، حيث لا يتعدى سعر زجاجة بيرة هنيكين الدولار .
ويشير نوزاد عادل ، وهو من الطائفة الايزيدية الى ان العمل في المناطق ذات الاغلبية المسلمة افضل ، لان البضاعة المعروضة قليلة بينما الزبائن كثيرون ، ملفتا النظر الى ان اغلب العاملين في هذا القطاع هم من المسيحيين أو الإيزيديين.
وعلى رغم ان الجهر بالكحوليات لم يعد محصورا مثل السابق حيث تنتشر بعض متاجر البيع في بغداد بصورة خاصة الا ان النسبة الاكبر من هذه التجارة تدور خلف الكواليس اذا يفضل كثيرون لاسيما من المسلمين ممارسة البيع والشراء بصورة سرية .
وبحسب تجار ومستهلكين للكحوليات فان الانتاج المحلي من الكحول لايغطي سوى نحو عشرين بالمائة من المجموع الكلي المستهلك ، ويتم سد النقص عبر الاستيراد من الخارج او عبر التهريب.
التهريب
التاجر سليم زاهي يؤكد ان مصدر بضاعته من اقليم كردستان وتشتمل على علب البيرة الاجنبية وزجاجات الويسكي والعرق المستورد من تركيا او المصنع في منطقة بعشيقة في العراق وكركوك ومناطق اخرى .
وعلى رغم ان مجلس محافظة البصرة ( 545 كم جنوب بغداد) اقر منذ عام 2007 منع تداول المشروبات الكحولية بجميع أنواعها الى ان تجارة الكحوليات في المحافظة وعبر حدودها الادارية مستمرة عبر التهريب ، ففي هذه الاسبوع القي القبض على أشخاص يتاجرون بالمشروبات الكحولية حيث ضبطت بحوزتهم كمية كبيرة منها، فيما أكدت لجنة الأقليات الدينية أن المتعقلين من المكون المسيحي.
ويشير كمال قادر الى ان الكثير من العراقيين يسافرون الى اقليم كردستان حيث يشعرون بالحرية في تناول المشروبات الروحية ، مما يدلل على ان منعها داخل العراق لن يجدي نفعا ، وان ترك الخيار للمواطن من تجنبها من عدمه سيكون الخيار الافضل لقطع الطريق على عصابات التهريب وشبكات التجارة السرية التي تتاجر في بعض الاحيان بمواد غير صالحة للاستهلاك لكن غياب الرقابة يحول دون الحد من نشاطاتها .
ويؤكد بائع الكحوليات السابق قيس ثامر من الطائفة الازيدية وسكان مدينة الحلة في بابل منذ اربعة عقود ان تجارة الكحول تعتبر اليوم من أشد الأعمال خطورة في العراق، مشيرا الا انه كان يمتلك دكانا لبيعها لكنه الان يزاول عمله بصورة سرية حيث لا يمكن له ترك المهنة بسبب الظروف المعيشية الصعبة.
متاجر بغداد
ويشير الباحث الاقتصادي سليم الجبوري الى ان هناك حوالي مائة وثلاثين متجرا مرخصا لبيع المشروبات الكحولية في بغداد، لكن هناك المئات الاخرى من النشاطات غير الشرعية التي تؤمن توفير الكحول للمستهلكين .
ولم يعد بحسب الباحث الاجتماعي قاسم محمد شرب الخمور والاتجار بها نشاطا يتلائم مع الصفة المحافظة التي تصبغ غالبية الشعب العراقي لانها تتنافى مع العادات والتقاليد الإسلامية.
لكن هناك اقليات اخرى داخل المجتمع – بحسب محمد - لا تحرم معتقداتهم شرب الخمور ، وان افراد هذه الاقليات اتخذوا من هذه التجارة مصدرا للرزق حتى انهم استوطنوا مدنا اخرى لا يتواجدون فيها في الاصل بسبب هذه التجارة التي ارتبطت بهم منذ عشرات السنين .
ويشير محمد الى ان كل متاجر الكحوليات والنوادي الاجتماعية تدار من قبل اقليات ، اما المسلمون فهم المستهلكون الرئيسيون للكحوليات فيها .
المهنة بسبب البطالة
لكن المرحلة بعد العام 2003 شهدت العكس، فمع خشية الكثيرين من اصحاب الحانات والمتاجر من الطوائف غير المسلمة من الاستمرار بهذه التجارة لجأ بعض المسلمين الى الاتجار بها بصورة علنية لاسيما في بغداد ، بينهم رؤوف محسن الذي افتتح دكانا لبيع الكحوليات في ساحة الواثق في بغداد .
ويعترف محسن انه اضطر الى مزولة المهنة بسبب البطالة مؤكدا ان تجريم هذه التجارة زاد من الطلب عليها وكل مممنوع مرغوب ، كما ان ظاهرة بيع المسلمين للخمور اصبح ظاهرة عادية ، على رغم انها كانت معدومة او ظاهرة نادرة جدا قبل عام 2003 .
ويستورد محسن قسما من بضاعته من منطقة عين كاوا في مدينة أربيل (360 كم جنوب بغداد) وهي منطقة ذات غالبية مسيحية وتشتهر بصناعة المشروبات الكحولية، التي تعتبر اليوم مصدرا للكثير من المشروبات الروحية المحلية وتصل منتجاتها الى اقضى المناطق في العراق .
كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها
تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :