بقلم: يوسف سيدهم
أرجو أن ألفت نظركم إلي أن عنوان هذا المقال لا يدعو إلي تحرير المرأة المصرية إنما إلي إعادة تحرير المرأة المصرية, وقد حرصت علي التأكيد علي ذلك لأن تاريخ بلادنا بدءا من العصر الفرعوني يشهد بتقديس المرأة المصرية والمرتبة العظيمة التي كانت تشغلها في المجتمع, مرورا بعصور متعاقبة من العصر البطلمي والإغريقي والروماني والقبطي حتي العصر الحديث… صحيح أن منزلة المرأة المصرية ومكانتها في المجتمع تعرضت لكبوات في فترات انتكست فيها الحضارة المصرية نفسها بين تلك العصور, لكن الأصل الثابت تاريخيا أن المرأة عماد رئيسي في المجتمع وشريكة للرجل في شتي نواحي الحياة وهي العمود الفقري للأسرة النواة الحقيقية للمجتمع.
كل من نشأ وتربي في صعيد مصر محفور في وجدانه أن المرأة سواء كانت تفلح الأرض بجوار الرجل أو تخرج للأسواق أو تربي الأبناء وتدير شئون المنزل, هي تحتل مرتبة ست الدار ولها كل التقدير والاحترام كأم وزوجة لا ينتقص من ذلك المهابة التي يتمتع بها زوجها… لذلك إذا كانت العصور الحديثة قد أضافت إلي هذا الإرث العظيم حتمية تعليم البنت وخروجها بعد ذلك إلي سوق العمل لتساهم جنبا إلي جنب مع الرجل في نهضة بلادنا, ثم ما تبع ذلك من انضمامها إلي العمل العام والسياسي وحصولها علي حق الانتخاب وتقلدها أرفع المناصب في سائر أجهزة ومؤسسات المجتمع, فعلينا أن نرصد بكل يقظة أية ممارسات أو سلوكيات أو أشكال تمييز ضد المرأة -سواء كانت وليدة مجتمعنا أو وافدة عليه من خارجه- وأن نسارع إلي التصدي لها والقضاء عليها بهدف إزالة كل ما يشوه مكانة المرأة المصرية ونحو إعادة تحريرها ورد اعتبارها.
ولعل من أهم الأمور الواجب التشبث بها في هذا السياق أن ما ندعو له ليس كفاحا مقصورا علي المرأة, ويخطئ من يظن أن مسار تصحيح أوضاع المرأة وإعادة تحريرها هو عبء ملقي علي عاتق المرأة وحدها دون الرجل, فالمجتمع غير منقسم علي نفسه ولا هو يشهد صراعا بين الرجل والمرأة,
وجميع حقوق المرأة ومكتسباتها عندما تحصل عليها لا تعد خصما من حقوق الرجل ومكتسباته بل هي رصيد مضاف إلي حقوق الرجل ومكتسباته وإلي القيمة الفعالة للمجتمع وتوازناته وثروته البشرية… وبناء عليه فإن من أهم المعايير الحضارية المطلوب توافرها في مسار إعادة تحرير المرأة مشاركة الرجل ووقوفه جنبا إلي جنب مع المرأة في الذود عن حقوقها وإصلاح ما قد يكون اعوج أو فسد متصلا بشئونها… وهذا ليس تفضلا من جانب الرجل أو أنه شيء لا يعنيه كما أنه ليس معروفا يسديه الرجل للمرأة, إنما هو دين في عنق كل رجل يدرك مكانة المرأة ويحرص علي مشاركتها في صناعة نهضة هذا المجتمع.
ولعلي في هذا الصدد أستحضر مقولة الصديق الدكتور سعدالدين إبراهيم أستاذ الاجتماع السياسي ومؤسس ورئيس مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية عندما قال: حتي لو اجتمع كل الرجال وأجمعوا علي إعطاء المرأة كل حقوقها, فإن ذلك يعد أبلغ إهانة للمرأة, لأن ليس للرجل أن يمنح أو يمنع حقوق المرأة, إنما جميع حقوقها أصيلة ومصونة ومكتسبة لكونها نصف المجتمع وشريكة الرجل في كل ما يحدث فيه.
واتساقا مع هذا التوجه تقدم وطني ضمن صفحات هذا العدد وفي باب الأسرة والمجتمع تغطية صحفية مهمة تحت عنوان: لأني رجل.. حملة لتوعية الشباب والرجال بقضايا المرأة وحمايتها من العنف, وهي حملة أطلقها المجلس القومي للمرأة بهدف إشراك الشباب في نشر الوعي بقضايا المرأة بين أقرانهم من الشباب والرجال, ومقاومة استشراء المفاهيم الذكورية وسطوتها علي أحوال المرأة سواء داخل الأسرة أو في شتي أنشطة المجتمع.
الحملة تم إطلاقها منذ عام 2017 وكان متوقعا آنذاك أن طريقها لن يكون معبدا وأن أهدافها ليست سهلة المنال إذ أنها تقتحم معاقل عقليات ذكورية ترسخت عبر أجيال متعاقبة علي السيادة والتسلط علي المرأة ولن تتنازل طواعية عما تعتقد أنه يمثل مكانة الرجل في المجتمع ونظرته الدونية إلي المرأة… لكن ها هي الحملة تمضي في طريقها واثقة من حتمية إدراك أهدافها وتحصد نتائج إيجابية مشجعة علي أن التغيير المأمول يلوح في الأفق.
هنيئا لهذا التوجه الحضاري… وبغض النظر عن أن التاريخ في بلادنا وحول العالم يشهد أن المرأة خاضت معارك مصيرية منفردة وبدون الرجل للمطالبة بحقوقها, إلا أن وقوف الرجل بجانب المرأة في هذا الدرب ينزع عنه صفة الخصومة ويغني المجتمع عن أن ينقسم إلي فريقين متواجهين ويجعل من النتائج ثمارا إيجابية ورصيدا مضافا للفريقين بدلا من أن يستنزف كل فريق نفسه وراء وهم توزيع الأدوار بين منتصر ومهزوم!!