كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
أتصور أن الظرف التاريخي الذي نعيشه الآن يحمل الإعلام المصري مسئولية هي الأصعب والأخطر في تاريخنا المعاصر في مواجهة وجود سرطاني بشع أسس له وجود حالة من الترهل والتواطؤ وتبادل المصالح عبر أكثر من نصف قرن بين الأنظمة السابقة وجماعات الخيانة الوطنية ، حتى كان لتلك الخلايا السرطانية اليقظة والنايمة والمختبئة أن تتمدد داخل الجسد المصري .. وجود خبيث في مؤسساتنا الاقتصادية والعلمية والتعليمية والاجتماعية والثقافية والإعلامية .. احتلال لنقابات و الكثير من مؤسسات المجتمع المدني بدعوى تحويلها جميعا إلى مؤسسات ترفع شعارات دينية خادعة للبسطاء ..
أتفق مع ما ذهب إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي بتأكيده على مفهوم وحقيقة أن مصر في مواجهتها لقوى الإرهاب الظلامية تعيش وتواجه " حرب وجود " ، وبالفعل وبالقياس لكل الحروب التي خاضها الشعب المصري كان الأمر يتوقف في درجة الخطورة على مواجهة جيوش نظامية لإعادة أرض محتلة و إزالة لآثار عدوان ونزاعات على حدود ، ولم نكن في مواجهة عدو غادر يتقافز كالمجنون بيننا يستهدف تدمير " الهوية المصرية " بفجاجة وتخلف بهذا القدر المفزع ، فهويتنا في النهاية تظل علامة ثبات لوجودنا التاريخي والإنساني والثقافي والحضاري فوق هذه الأرض العظيمة ، وعلى ضفاف النهر الخالد ..
في مقالة له , نشرها منذ أكثرمن 85 سنة في صحيفة " كوكب الشرق ", أشار عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين إلى الحوار الذي دار بينه وبين موظف فرنسي يعمل في المصلحة المسئولة عن إقامة الأجانب في فرنسا حول مسألة الهوية , وكان أديبنا الراحل مبعوثًا من الجامعة الأهلية ليكمل دراسته في السوربون فرنسا عام 1914, فاستدعاه هذا الموظف ليراجع معه أوراقه, وسأله عن جنسيته , وأجاب طه حسين: أنا مصري !، غير أن الموظف الفرنسي يعيد عليه السؤال مرة أخري: أسألك عن جنسيتك لا عن البلد الذي ولدت فيه, أنت ولدت في مصر, لكن مصر لا جنسية لها , لأنها ليست دولة مستقلة , وإنما هي ولاية تابعة للسلطنة العثمانية, فأنت إذن لست مصريًا, بل أنت رعية من رعايا السلطان العثماني !
الآن ، ومصرنا وطننا العزيز البلد الحر المستقل ، هل يقبل أحد بما جاء في كتاب "معالم في الطريق"، عندما وصف المفكر الإخواني سيد قطب الوطن أنه "ما هو إلا حفنة من تراب عفن".وفي حوار مع المرشد العام السابق كان قد أدلاه للكاتب الصحفي الرائع " سعيد شعيب " قال تلك المقولة الخائنة " طظ في مصر واللي جابوا مصر واللي في مصر " ؟!!
لقد قال القيادي المنشق عن جماعة الإخوان، طارق أبو السعد، إن جماعة الإخوان لا تؤمن بأي من مبادئ الوطنية أو الأرض أو السيادة والاستقلال الوطني .. و لعل في هذا الشعر، الذي قاله أحد شعراء جماعة الإخوان، ما يعبر عن وجهة نظر تلك الجماعة في ما يتصل بفكرة الوطن، حيث تقول أبياته :
ولست أرى سوى الإسلام لي وطنًا *** الشام فيه وبلاد النيل سيان
وكلما ذكر اسم الله في بلد *** عددت أرجاءه من لب أوطاني
في انتظار إعلان خطة استراتيجية وطنية علمية موضوعية لإعلان توجه إعلامي قادر على المواجهة ، ومعاون لكل خطط إعادة بناء دولة باتت على طريق النجاح ... خطة نجالس فيها المواطن ، ونستمع فيها لأصحاب الخبرات الوطنية المخلصة .. ونوجه عبر توجهاتها المحددة رسائل حازمة لجهات التنفيذ الحكومية ..
ويا مؤسساتنا الدينية ، لم يعد لدينا ترف الوقت للدخول في حوارات معوقة لمسيرات إصلاح الخطاب الديني والثقافي والإعلامي .. قدموا العون للمؤسسات الإعلامية والثقافية والتنويرية بكل سرعة واجتهاد وطني نبيل ..