سحر الجعارة
نحن أمام أكبر خدعة فى التاريخ، أكذوبة سياسية تم توظيف الإسلام فيها للقتل والهيمنة على كواليس الحكم، وهى أكذوبة مستمرة حتى الآن تجد بيننا من يروج لها ويبشر بها، إنها «دولة الخلافة العثمانية»، وربما تكون هى المرحلة الأكثر دموية فى تاريخ الإنسانية لأنها قتلت واغتصبت الأوطان بدعوى أن الحاكم مسلم.. ورفعت على رايتها «حديثاً موضوعاً» جعل من فتح القسطنطينية «نبوءة محمدية»!.
على مدى أكثر من 15 حلقة من برنامج «البوصلة»، المذاع على قناة Ten، كشف المفكر التنويرى «إسلام بحيرى» بالوثائق كوابيس القتل والترويع والنفى التى أهدرت الإسلام كله لتأسيس الدولة العثمانية.
إن شئت أن تفهم الواقع أو تستشرف المستقبل فلا بد أن تقرأ التاريخ جيداً، بعيداً عن الهوى الشخصى أو الانحياز المسبق.. وأن تتحمل فاتورة كشف أسطورة «الخلافة المزعومة» التى تستخدم الإسلام لتخدير الشعوب.
بحسب «بحيرى» فقد تم استخدام تدوين الأحاديث المكذوبة لأغراض سياسية، بدءاً من القرن الثانى.. مع الدولة الأموية والعباسية، وتم تأليف حديث محمد الفاتح العثمانى كذباً وزوراً على رسول الله، وشهد الأوائل والمتأخرون (الألبانى) بأن هذا حديث ضعيف وكان يجب على علماء علم الحديث أن لا يسموه حديثاً أصلاً!.
يقول راوى الحديث «عبدالله بن بشر الخثعمى» عن أبيه أنه سمع النبى صلى الله عليه وسلم يقول: «لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش».. وراوى الحديث كان معروفاً عنه أنه كان يدس الأحاديث حسب الطلب (!!).
وما زال عبيد العثمانيين والإسلامجية يدافعون عن هذا الحديث وغيره من الأحاديث الموضوعة والمكذوبة على رسول الله.. لكن هذا الحديث تحديداً أضفى قدسية على «محمد الفاتح» ورفعه إلى مرتبة من ينفذ المشيئة الإلهية على الأرض.. فماذا فعل لتتحقق الإرادة الإلهية؟.
ينتقل «إسلام» بنا إلى كتاب «تاريخ الدولة العلية العثمانية»، للمؤلف والمؤرخ محمد فريد (المحب للدولة العثمانية)، والمحقق الدكتور السورى «إحسان حقى».. وهذا المصدر -وفقاً لكلام إسلام- ليس بمغرض ضد الدولة العثمانية بل كان محباً لها.. يقول المؤلف إن الأمراء العثمانيين أقروا نظاماً بقتل الإخوة الأطفال وهم صغار خوفاً على الملك والسلطان مستقبلاً، مستندين لفتوى وأصل شرعى (من وجهة نظرهم)، وكانت الفتوى من علماء الأحناف (المذهب الحنفى).
فقتل الأمير أبويزيد (جد محمد الفاتح) أخاه الطفل باتفاق أمراء الدولة (وكان مبررهم لقتله أن الطفل قوى وشجاع وعالى الهمة وخطر على الدولة وعلى الحكم ولم يلوموا بعضهم البعض على هذه الجريمة الشنعاء، لتصدق فيهم الآية: «كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه». لكنه على العكس سَنّ قانوناً اسمه قانون «الإخوة»، قائلاً:
«أعلن للجميع أن أطفالى وأحفادهم الذين سيصعدون للعرش لهم الحق فى إعدام إخوتهم».
إنها مذابح مشرعنة، لو قارناها بما يفعله تنظيم «داعش» الآن لوجدنا أبشع التنظيمات الإرهابية لم يبتكر لحكامه ديناً جديداً قوامه تصفية الخصوم حتى لو كانت الخصومة مجرد ظن أو وهم فى مخيلة الحاكم.. وليس هناك أدق من وصف «بحيرى»: «يقول لنا بعض التراثيين إن الدولة العثمانية قامت على منهاج النبوة، للأسف الإسلام طول الوقت كنص ودين عظيم تركه الرسول كان «مفعولاً به» وليس «فاعلاً» وتم استخدامه أسوأ استخدام.. وقامت الخلافة على منهاج الشيطان وليس على منهاج النبوة»!!.
ستلاحظ من «منهاج الشيطان» كما وصفه «بحيرى» أنه النموذج الفج لتطبيق ما يسمى «الإسلام السياسى»، وهو «استخدام القرآن فى غير محله وانتهاك النص الدينى حرفياً لمصالح سياسية».. وبحسب نفس المرجع: «بعدما تولى السلطان محمد الثانى (الفاتح) الحكم أمر بقتل أخيه الرضيع ويسمى أحمد»!.
الغيرة على دين الله محمودة، والغضبة لما لصق بالإسلام زوراً مطلوبة، قال تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً».. وبحسب هذه الآية «محمد الفاتح» فى نار جهنم.
لقد بدأ ما يمكن تسميته مجازاً «دستور المرحلة»، فمن السبعة خلفاء العثمانيين حتى محمد الفاتح خمسة منهم قتلوا إخوتهم.. فأنشأ الفاتح قانون ناما (قانون البغى).
وأنشأ العثمانيون مؤسسة سموها مؤسسة شيخ الإسلام (ليس لها علاقة بابن تيمية).. وكانت هذه المؤسسة تعتمد على فكر وفقه المذهب الحنفى فقط لمدة (600 سنة).. لاحظ هنا فكرة «المؤسسة والقانون».. إنها آليات للسطو على مقاليد الحكم ونهب ثروات البلاد باسم الدين، وتسخير الآيات القرآنية للقتل والترويع.. إنه نفس الموديل المتبع فى كل المراحل الدموية والتنظيمات الإرهابية.
أنا لم أستطع التدخل كثيراً فيما ذكره «بحيرى» لأن الحديث عن وقائع تاريخية بمصادر موثقة، وتفسير هذه الوقائع بما استخدمته «زوراً» من الدين «لا يحتمل التدخل».. لكن نظراً لخطورته وأهميته حرصت على نقله رغم ضرورات الاختصار.
قانون «ناما» لا تزال مخطوطته موجودة فى مكتبة رئاسة الوزراء التركية، وكان يمكن لأى من أبنائه الذين سيهبهم الله السلطنة أن يتخلص من إخوته من أجل مصلحة الدولة، وهو ما أقره كل (الأحناف فقط).. ورأيى أن هذا فى حد ذاته يطعن فى شرعية المذاهب التى تخضع لأهواء الحاكم وتيسر له سبل القتل.
أقر «محمد الفاتح» قانون ناما بعد قتله لأخيه الرضيع حتى لا يلام على قتل إخوته ليجعله قتلاً شرعياً ومرخصاً دينياً (!!)
واختار «إسلام» من مرجع: كتاب الدولة العثمانية المجهولة، لأحمد كندوز وسعيد استورك (وهما مؤلفان تركيان).. القول بأن تلامذة أبى حنيفة توسعوا واخترعوا فتوى اسمها «القتل سياسةً».. وهذا هو ما استخدموه ضد شعب مصر لإحباط أى عصيان أو تمرد على الحكم العثمانى الهمجى الذى سنرى وحشيته ودمويته فى المقال القادم.
نقلا عن الوطن