خالد منتصر
وصلتنى هذه الرسالة المهمة من الباحث والكاتب الشاب أحمد رمضان الديباوى، مدرس العقيدة والمنطق بجامعة الأزهر، يجيب فيها عن سؤال، كيف تتشكل ملامح الإرهابى، وما المقادير التى تطبخ إرهابياً ناجحاً؟! يقول الديباوى:
هل ثمَّة خصائص مشتركة يمكن الاستناد إليها لرسم ملمح (بورتريه) موحَّد للإرهابيين المصريين؟ أو بمعنى آخر، كيف أصبح الإرهابى المصرى إرهابياً: كيف دُمِغت شخصيته لينتقل من طور الإنسان العادى إلى طور الإرهابى؟
إنّ الإجابة تكمُن فى جملة واحدة هى «فتِّش عن الفكر الدينى المتطرف»، ولا يكمُن هذا الفكر المتطرف سوى فى جمود الأزهر على مناهج بعينها، ونصوص مغلَقة تفسيراتها على أفكار واجتهادات ماضوية لا تتناسب مع التحضر الإنسانى، والعلم، والقيم الإنسانية والحضارية التى أفرزها التقدم الإنسانى الحديث، وتبدو حالة الإرهابى السيد السيد عطا (أبوعمر)، مؤسس تنظيم «كتائب أنصار الشريعة»، وهو تنظيم تكفيرى إرهابى، يقوم على تكفير الحاكم بدعوى عدم تطبيق الشريعة الإسلامية، وفرضية الخروج عليه، نموذجاً مثالياً لذلك، فهو قد تخرّج فى الأزهر، وربما لم يُكمل دراسته الجامعية ليُعيَّن مدرِِّساً فى المرحلة الابتدائية بالأزهر، ثم سافر لفترة إلى السعودية للعمل فى تحفيظ القرآن، مندمجاً مع أفكار الوهابية هناك، وهى الأفكار التى تلتقى بوجه أو بآخر مع الأفكار التى تدرس فى الأزهر، وإن يكن الاختلاف بينهما فى بعض الأمور العقدية التى تتعلق، فقط، بالذات الإلهية، وهو ما يعنى أن حصيلة الفكر التى ترسّخت لدى السيد عطا كانت هى الأساس فى تحوّله إلى إرهابى، ذلك أنه مع عودته إلى مصر فى بداية 2013، التقى بصديقه وعضو جماعة «أنصار بيت المقدس»، محمد عبدالرحيم والذى عرَّفه بالشيخ مدين إبراهيم وتلاميذه ممن قرأوا كتب سيد قطب وشكرى مصطفى. وعقب سقوط الإخوان فى العام 2013 اتفق التكفيرى محمد عبدالرحيم مع السيد عطا فى تأسيس تنظيم تابع لجماعة «أنصار بيت المقدس»، تحت مسمى «كتائب أنصار الشريعة»، بهدف تضليل الأجهزة الأمنية، متمركزاً فى محافظة الشرقية على التخصيص، وكان معظم عناصره من مركز ههيا، مشكِّلاً مجموعة من الخلايا التابعة له فى محافظات بنى سويف، والجيزة، والفيوم، وهى المحافظات ذاتها التى ينتشر فيها فكر جماعة الإخوان المحظورة، وهو ما يستلزم إجراء دراسة علمية كمّية لإثبات مدى ارتباط الفكر المتطرف بأماكن بعينها دون أماكن أخرى، بصرف النظر عن لا محدوديته فى ربوع مصر كلها!
لم يتجاوز الإرهابى السيد عطا سن الخامسة والثلاثين، وهو ما يعكس صدق الأرقام التى تؤكد أنّ شريحة الشباب، التى تمثّل النسبة الديمغرافية الأكبر فى مصر، هى الأكثر استقطاباً وحضوراً من قبَل المتشددين فى صفوف التنظيمات الإرهابية فى مصر، وبصرف النظر عن تبايُن أسباب ذلك، إلا أنّ أغلبها يلتقى حول استغلال قيادات الجماعات الإرهابية لعنصر السن فى تجنيد أولئك الشباب، والضحك عليهم باسم الدين والشرع، وفى الوقت نفسه استغلال نقاط ضعف بعض الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو الأمر الذى يتجسّد فى هذا الإرهابى ورفاقه ممن تمت تصفيتهم على خلفية محاولتهم الهروب من سجن طرة يوم الأربعاء الماضى.
إن أهم ملمح لشخصية الإرهابى السيد عطا يثبت صدق المقولة: إذا كان الإرهاب عرَضاً فإن الفكر الدينى المتطرف هو المرض الحقيقى الذى ينبغى مواجهته، فالدراسة الأزهرية رغم تطوير مناهج الأزهر ليست مثالية لنشر التسامح والمحبة والسلام ونبذ التعصب، وبوجه عام، فإن تراجُع قيَم الفن والجمال والموسيقى فى مناهج التعليم بمصر، عموماً، يزيد من التطرف الفكرى والإرهاب والعنف فى المجتمع.
نقلا عن الوطن