سحر الجعارة
أنا أراهن كثيراً على الدكتور «محمد مختار جمعة»، وزير الأوقاف، فى تنقية صفوف الأئمة والدعاة من الإخوان والسلفيين.. أثق فى أنه حين يقرر مع مجلس الوزراء عودة صلاة الجمعة يوم 28 أغسطس الجارى فهو يؤمن بأن «العلم» هو صاحب القرار الأول فى تحديد مصلحة المجتمع فى ظل وباء «كورونا».
لا أتوقع من وزير الأوقاف إلا أن يكون منصفاً، منحازاً لتيار التنوير وهو التيار الإصلاحى فى مجال الخطاب الإسلامى.. لا أتخيل أن يدير تلك الوزارة دون أن يقدّر قيمة كل كلمة وكل موقف لمن ينتمون للعمل معه.
ولهذا كنا خلفه فى معركة «الخطبة المكتوبة»، دافعنا عما آمنا به وسماه الوزير «ميثاق المنبر»، ليكون المنبر (منارة فكر واستنارة، وسبيل الوسطية والتسامح، ولا يمكن وينبغى ألا يكون عامل هدم أو تخريب أو إفساد أو تحريض، أو أن تختطفه جماعة أو حزب، أو أن يستغله شخص لمصالحه الخاصة، أو يوظفه لخدمة جماعة أو نشر فكرها أو أهدافها).
كنا هنا -يا سيدى- وقت أن هاجمت الداعية الأزهرى «عبدالله رشدى»، عقب تكفيره للأقباط، وقلت نصاً: «هل يريد عبدالله رشدى وأمثاله أن يجعلوها حرب عقائد؟!، نحن لا نقبل ذلك».. كنا نكتب نؤازرك ونشيد بموقفك عقب منعه من الخطابة «أكثر من مرة».. وما زلنا ننتظر إحالته للنيابة العامة لتوقيع ما يستحقه من عقوبة!.
الإعلام «المرئى والمكتوب» لم يخذلك يوماً، عن اقتناع بصحة موقفك، وفى بعض الأحيان كنا «عينك» التى تشير إلى مواطن الخلل والاختراق الإخوانى لصفوف الدعاة والأئمة.
هذه الواقعة أرفعها للسيد الوزير، وكلى ثقة بأنه لن يتخذ إلا قراراً يصحح الأوضاع المقلوبة.. الشيخ «نشأت زارع»، كبير أئمة الأوقاف بالدقهلية، عوقب بخطأ مبهم أو غامض علينا.. فى البداية اعتقدنا أنه عوقب بسبب تصريحاته حول الاعتذار عن الفتوحات الإسلامية، لكن «جابر طايع»، رئيس القطاع الدينى بوزارة الأوقاف، أوضح، خلال مداخلة هاتفية ببرنامج «90 دقيقة» مع الدكتور «محمد الباز»، أنه «صدر حكم ضده بنزوله درجة وظيفية بسبب سفره للخارج لعدة دول دون إذن من الأوقاف».
بمراجعة قضية سفره للخارج قرأت ما بين السطور، لأجد أننا لا نزال نتعامل مع من يتواصل مع «الشيعة» بمنهج التكفير، وهو نفس ما حدث مع الدكتور «أحمد كريمة» فى الأزهر بنفس الآلية الإدارية.. قد يكون من حق جهة العمل أن تضع ضوابط محددة لأذونات سفر موظفيها، وعلاقاتهم مع وسائل الإعلام فى الخارج والداخل.. لكن اسمح لى بأن أتساءل عن فكرة التسامح وقبول الآخر والتعايش السلمى الذى ننشده.
لقد نزل «زارع» درجة وظيفية ليصبح مجرد «إمام» بما يستتبع ذلك من ضرر أدبى ومادى، لأنه سافر إلى العراق فى يناير عام 2018 لمشاركة إخوتنا العراقيين من مختلف الطوائف بالانتصار على تنظيم «داعش»، ونشر فقه التعايش الإنسانى ومحاربة الطائفية والمذهبية كما يؤمن به.
ولا أعتقد أن التعامل مع الشيعة أو المسيحيين أو الأكراد تهمة يُعاقب عليها إمام مستنير.. وأتصور أنه كان يمثل نفسه ولا يمثل وزارة الأوقاف.. وإن كانت زيارة العراق أو التواصل مع الشيعة والأكراد تهمة مشينة فليخرج علينا معالى الوزير، فى وسائل الإعلام، ليحذرنا ويفسر لنا: إن لم يكن هذا الكلام عنصرية مذهبية ودينية.. فكيف تكون العنصرية؟!.
أنا أعلم -يا سيادة الوزير- أن القانون المصرى يعتبر «الشيعة» جماعة محظورة النشاط، لكنى أسأل عن رؤيتكم الدينية، وتقديركم لخطورة الصراع المذهبى على أوطاننا!!.
ثم كانت تصريحات «نشأت زارع» حول الاعتذار عن الفتوحات الإسلامية، والتى أساء البعض تفسيرها، واستغلتها جماعة الإخوان الإرهابية.. حتى ظهر فى مداخلة مع الدكتور «محمد الباز» ليؤكد أنه كان يقصد جهاد الطلب وليس جهاد الدفع.. وقال: «مفيش فى الإسلام جهاد طلب، بأننى آخد جيش وأروح أحارب.. والرسول كان يرسل رسائل سلمية، وكان يدافع عن المدينة».. وفى نفس المداخلة أكد «الباز»، بصفته رئيساً لتحرير جريدة «الدستور»، أن عنوان الجريدة قد تسبب فى ورطة للشيخ «زارع».. وأكد أن الشيخ «نشأت» لم يقل هذا الكلام للجريدة، وأنها كانت إضافة من المحرر بناء على فهمه الخاص!.
على أثر هذه التصريحات تم التحقيق مع الشيخ «زارع» وتم منعه من الصعود إلى المنبر وتحويله إلى وظيفة «باحث».. لن أتحدث عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقت به.. فما يهمنى -هنا- أننا نُخرس الأصوات المستنيرة ونقصيها عن المنبر فى حين يحتلها من يجيّش الرأى العام سلبياً ويؤلب فئات المجتمع ضد بعضها مثل «عبدالله رشدى»!!.
سيادة الوزير: أعلم جيداً صعوبة السيطرة على آلاف الأئمة والوعاظ، وكذلك إعادة تأهيلهم، والارتقاء بثقافة المنبر أصعب.. أما السيطرة على ما يصدر عنهم من أفكار على المنبر أو خارجه فمسألة شبه مستحيلة.
ورغم ذلك فالقول بأن «نشأت زارع» ليس مفكراً ويجب ألا يتحول إلى مُنظر سياسى، فى جوهره، مسألة ضبابية تردنا إلى مطالبتكم بـ«الخطبة المكتوبة».. وتعيدنا للحديث عن بعض المنتمين لجماعة الإخوان الإرهابية أو التيارات السلفية ممن يستغلون «المنبر» لنشر أفكارهم الظلامية.. أيضاً تدعونا للتساؤل مرة أخرى: كيف تتركون «عبدالله رشدى» يؤازر الدولة العثمانية فى عدائها للوطن على مواقع التواصل الاجتماعى ويتطاول على جيش مصر العظيم؟!.
سيادة الوزير: حتى لا يصبح «الظلم» ممنهجاً ومقنناً.. كل ما أتمناه أن تراجع قضية الشيخ «نشأت زارع» بشخصك النبيل وتعيد الحق إلى أصحابه.
نقلا عن الوطن