فاطمة ناعوت
أوقفَ موكبَه الرئاسيّ حتى تمرَّ السيدةُ المُسنّة. ولما وجدها تتعثَّرُ فى خُطوها، ودثارُ الوهن يُدثِّرُها، ترجّلَ وأخذ بيديها، وسألها ما بها؟ فأجابته، فى فضفضة الموجوع: «عندى قلب وسكر وضغط وكبد، والمستشفيات مقبلتنيش يا ولدي!» وهمّت بالمضيّ لحال سبيلها، وهى لا تعلّم أنّ مَن بثّتْ إليه همومَها رئيسُ وطنها. فالكماماتُ تخفى الوجوه، وأوجاعُ البدن تُلهى عمّا سواها. لكنّ الرئيس لم يتركها تمضى، قبَّلَ جبينَها، وتناول أوراقَ تقاريرها الطبية من يدها، تفحصها، ثم أشار إلى مرافقيه بتولّى حالة تلك الأمّ المصرية. سألته فى براءة: «شالله يخليك يا ولدى. أجيلكم فين؟» فابتسم لها الرئيسُ وقال: «إحنا اللى هانجيلك يا أمى!»
هذا المشهدُ الآسر، كنّا نشاهدُ مثلَه على شاشات القنوات الأجنبية، فنُسجّل ونتناقل مُتسائلين فى حسرة: «متى يحدثُ فى مصرَ ما يحدث فى دول راقية قطعت خطواتٍ على سُلّم الإنسانية؟!» وها هو يحدثُ فى مصر منذ سنواتٍ، وتتكرّرُ الواقعةُ المشرقةُ من الرئيس على تنويعات القماشة الإنسانية الواسعة، مع مواطنين يعانون المرض أو الإعاقة أو العوز أو التنمّر وغيرها من وخزات الحياة. ودائمًا ينتصرُ الرئيس السيسى للمهزوم والمكسور. كانت من أحلامنا أن نجد رئيسًا يعتبر الفقراءَ والمرضى والمشّردين من أوائل المشاريع القومية التى تتصدى لها أجهزةُ الدولة. فذاك هو المقياس الذى تتمايزُ به الدول المتحضرة عن المتخلّفة. لكى تحكمَ على مدى تحضّر مجتمع، انظرْ إلى حال: الطفل، المُسنّ، المرأة، ذوى الاحتياجات الخاصة، الفقراء، المرضى. فجميعُ ما سبق مسائلُ أمن قومى، تعلو بالأوطان إن ارتقت، وتهبط بها إن أُهينت. «إن شالله ينجّيك يا ولدى»، تقولُها مصرُ للسيسى، مثلما قالتها السيدةُ البسيطة للابن الذى ترجّل عن سيارته، ليُنصت إلى أوجاعها ويتعهّدُ بعلاجها. «إن شالله يراضيك وينجيك ويبارك فيك يا ولدى». لم تكن تدرى أنها تدعو لمصرَ ولرئيس مصر. نبراتُ صوتِها وهى تحكى وتشكو وتهمُّ بالمضى دون تلكؤ، (على عكس ما يحدث عادة من أصحاب الحاجات أمام المسؤولين)، تؤكد أنها لا تعرفُ مع مَن تتحدث، والكماماتُ تخفى الملامح. والتقطتِ المشهدَ عدسةُ هاتف، لتُخلّدَ لحظةٌ، لا شكّ عندى أنها تتكررُ يوميًّا مرّاتٍ عديدة بين الرئيس وبسطاء المواطنين، من وراء العدسات. والدليلُ هو ما أراه بعينى على أرض الواقع من مشاريع كبرى تستهدفُ البسطاءَ والمشرّدين والمرضى.
السيسى هو الرئيسُ الوحيد الذى قضى، (بالفعل لا بالوعود)، على عشوائياتٍ لا تليق ببنى الإنسان، ومنح ساكنيها أحياء نظيفة مبهجة وشققًا مفروشة بأثاث أنيق، كما فى: الأسمرات، وبشائر الخير، ورأس التين، وغيرها. السيسى أولُ رئيس يطلقُ، (بالفعل لا بالوعود)، حملاتٍ قوميةً صحية «١٠٠ مليون صحة»، تستهدفُ تشخيص حالة «جميع» مواطنى مصر، الذين يبلغ تعدادُهم مجموعَ سكان عدة دول مجتمعة، وعلاج المريض منهم «مجانًّا». شهدنا ذلك فى حملات الكبد وفيروس C، وفيروس B، وحملات الكشف المبكر لسرطانات المرأة، وغيرها. وتستهدفُ الحملةُ الآن كشفَ وعلاج أمراض الكُلى. السيسى أول رئيس، يتصدّى، (بالفعل لا بالوعود)، لأزمة التعليم التى تعانى منها مصرُ منذ عقود. فنشهدُ الآن صحوةً غير مسبوقة فى تطوير العملية التعليمية لتواكبَ بإذن الله مع السنوات الدولَ المتقدمة فى التعليم. والأهمُّ فى ذلك التطوير تنقيةُ المناهج من «جميع» لمحات التطرف والعنصرية والتنمّر، التى ظلّت مدسوسة فى كتب الأطفال المدرسية عقودًا طوالاً، حتى خربت أرواحَ من لديه استعداد لتلك الأدران البشرية. وفى مقابل ذلك الحذف المحمود لما يصدّع أرواح النشء، يتم غرسُ بذور القيم والأخلاق واحترام الآخر والاعتزاز بالهوية المصرية القديمة، وتنمية قدرات الطفل الذهنية والابتكارية لننشئ أجيالاً «تفكّر» و«تُبدع»، لا تحفظ وتردد.
قبل قبوله حكمَ مصر قالها الرئيس عبد الفتاح السيسى صريحة: «هاتتعبوا معايا، وهاتصحوا الساعة ٦ الصبح!» فهو يدرك أن حكمَ مصر ميراتٌ صعبٌ وثقيل ومرير. لأن المضطلع بتلك المسؤولية الهائلة عليه أن يحلّ مشاكلَ عقود طوال تراكمتْ فيها الأزماتُ والصدوع والديون على جسد مصر الشريف. وكان عند عهده الذى قطعه على نفسه وبدأنا نجنى ثمارَ غرسِه الوطنى النبيل. ومَن لا يرى ما يحدث فى مصر اليوم من نهضات حقيقية على المستوى التعليمى والصحى والاقتصادى والعمرانى والمرور والاهتمام بالمعيلة والطفل والعشوائيين وبناء العلاقات الخارجية وغيرها الكثير، فهو أعمى القلب أو حاقد كذوب. اللهم احمِ مصرَ العظيمة من الحاقدين الحاسدين الكارهين نهضتَها المشهودة. اللهم احمِها من دول مددنا لها يدَنا بالخير فى فقرِها، فقابلتِ الإحسانَ بالخِسّة والجحود. «الدينُ لله، والوطنُ لمن يحبُّ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم