بقلم القس/ سامح فوي عبد الملاك
يبقى الموت لغز ونبقى مكتوفين الأيدي أمامه وتبقى الأسئلة مطروحة ولم نستطيع الإجابة عليها كُلها، لماذا يأخذ الموت فلان ويترك فلان؟ لماذا يحرم أبن من أبيه ويكسر بخاطر أمه؟ ولماذا يكسر بقلب طفلة بحرمانها من أمها؟ لماذا يأخذ الصالح ويترك أحيانا الشرير؟ لماذا يأخذ الأطفال ويترك الكبار؟ لماذا يفصل القلوب عن بعضها؟ ولماذا يبعد الحبايب عن بعضها؟ لماذا يترك الوجع في صغار الشبيبة؟ ولماذا يأتي في هذا التوقيت؟ الأمر غير واضح ويبقى غامضًا ويحتاج لتفسيرات وليس بالسهل على سامعيه.
لماذا تموت أمي التي هي رمز للحنان؟ ولماذا يتركني أبي يتيما في هذه الغربة؟ ولماذا يموت أخي عكازي وسندي؟ ولماذا أموت أنا وأطفالي تتألم وجعًا وقهرًا؟ الموت هل هو كأس على كل إنسان في هذه الدنيا أن يشربه؟ الموت واقعيًا يوجع الأحياء، فعند موت أحد أقاربنا أو من نحب من أصدقائنا نذوق مرارة الفقد الحقيقية، فلا شيء سوف يجمعنا بعدها، ونبقى على ذكراهم نجتر ألمًا وحزنًا في بعدهم عنا.
هل تتوقّف الحياة في أعيننا في لحظات الحزن؟ وهل نظن أنّه لا نهاية لهذا الحزن؟ وأنّه ليس فوق الأرض من هو أتعس منا؟ فنقسو على أنفسنا حين نحكم عليها بالموت، وننفّذ بها حكم الموت بلا تردّد؟ وهل تُنزع الحياة من قلوبنا، ونعيش بين الآخرين كالموتا تمامًا، بشاعة الموت تُعد المعنى الوحيد للموت فهو الرحيل عن هذه الحياة، فهناك من يمارس الموت بطرق مختلفة، ويعيش كل تفاصيل وتضاريس الموت، وهو ما زال على قيد الحياة لا شك أننا كثيرًا ما نتخبط في حياتنا الروحية من خلال أسئلة كلها دارت في أذهاننا عن الموت وهذا منطق بشري يدور في ذهن الكثيرون ومشروع تماما لكل شخص. كما قال غاندي أن السؤال في حد ذاته هو من أهم حقوق الإنسان في الحياة.
خلاصة الأمر وبعد كل الأسئلة المشروعة والمكفولة للجميع تبقى الحقيقية المؤكدة هي: أنه في الواقع إن الموت يعتبر الحقيقة الوحيدة والأكيدة التي يتفق عليها جميع البشر على اختلاف ألوانهم وأعراقهم ومعتقداتهم وأجناسهم ودياناتهم، وبرغم عدم اجتماعهم على حقيقة أو ظاهرة عملية أو اجتماعية أو حتى دينية، إلا أنهم اجتمعوا على حقيقة وحتمية الموت لكل بشر، بل لكل كائن حي ، لذا يبقى الموت هو الحقيقة التي لا جدال عليها، والحقيقة المؤكدة أنه لا يوجد حدث عالمي تُجمع عليه البشرية نظير الموت ويحمل الموت في طبيعته التناقض، حيث يجمع بين اليقين وعدم اليقين ، فالإنسان يعرف أنه سيموت حتماً، لكنه في ذات الوقت لا يعرف مطلقاً الوقت الذي يموت فيه. سُئل الفيلسوف الصينيّ كونفوشيوس ذات مرّة عن الموت، فأجابَ سائله: لا تعلم ما هي الحياة، فكيف تعلم ما هو الموت؟ وفي إجابته هذه إشارة واضحة إلى ارتباط سرّ الحياة بسرّ الموت، فكلاهما وجهان لعملةِ واحدة.