د.عبدالخالق حسين
بعد نشر مقالي الأخير الموسوم: (إيران تستغل الشيعة والقضية الفلسطينية لأغراضها التوسعية)(1)، وكالعادة، استلمت عشرات التعليقات المتباينة من القراء الكرام، بين مؤيد ومعارض. وهذا شيء إيجابي، وضروري مرحب به، خاصة إذا ما طرح المعارضون آراءهم بموضوعية للبحث عن الحقيقة، ولإيجاد أفضل الوسائل الناجعة لإخراج بلدنا من هذا المأزق القاتل. ولحسن الحظ أن غالبية المعارضين هم من هذا النوع، ما عدا اثنين، أحدهما من خلفية بعثية فارغ فكرياً وأخلاقياً، لا يعرف إلا الشتائم والبذاءات التسقيطية... ينطبق عليه المثل الإنكليزي القائل: (كالثور الهائج في متجر الخزفيات Like a bull in a china shop). والآخر ينكر أنه بعثي، ولكنه يتصرف كبعثي، تنطبق عليه مقولة صدام حسين (بعثيون وإن لم ينتموا)، لأن البعث سلوك أهوج قبل أي شيء آخر، فكلاهما يتبعان أسلوب البلطجة والابتزاز والطعن الشخصي بدلاً من مناقشة الأفكار وتفنيدها إن استطاعوا.
فقد قام هذا الآخر في تعليق بذيء أرفقه بفيديو نشاهد فيه جنود إسرائيليين فاشيين يرتكبون جريمة بشعة بحق مواطن فلسطيني مسن، (رابط الفيديو في الهامش رقم 2). واستغل مرسل الفيديو الجريمة بقوله: (هذا ما يدعو إليه بعض أنصاف الرجال للانبطاح أمام إسرائيل)(كذا)، وهو يقصد أن أي نقد للتدخل الإيراني في الشأن العراقي يعني الدعوة للانبطاح لإسرائيل وأمريكا.
بالطبع نحن ندين هذه الجريمة البشعة، ونقف مع حق الشعب الفلسطيني في تحقيق دولته المشروعة. ولكن هذه الجريمة لا تعني أننا يجب أن نكون خانعين لإيران، و نتحالف معها في محاربة أمريكا بحجة أن أمريكا حليفة إسرائيل. يجب أن نعتبر أية علاقة غير متكافئة، وليست لمصلحة العراق هي انبطاح سواءً مع أمريكا أو مع إيران أو أية دولة أخرى.
فلو قارنا بين جريمة الجنود الإسرائيليين بحق المواطن الفلسطيني، وبين ما ارتكبته المليشيات العراقية الموالية لإيران في ضرب العراقيين المتظاهرين، وقتلهم نحو 600 شهيد، وإصابة أكثر من 6000 بجروح، بعضها بليغة تؤدي إلى عوق دائم، لوجدنا جرائم المليشيات أبشع وأمر، لأن الضحايا هم عراقيون تم قتلهم وأصابتهم على أيدي مليشيات عراقية وبأوامر إيرانية، وليس من قبل جنود إسرائيليين. و أن أغلب الضحايا هم من الشباب وفي عمر الورود المتفتحة تواً للحياة، استخدموا حقهم الدستوري في التظاهر لحياة أفضل، وتحسين الخدمات وضد الفساد والبطالة. فالإسرائيليون في الفيديو لم يقتلوا المواطن الفلسطيني، بل قبضوا عليه بالقوة المفرطة وأمام كاميرات الإعلام العالمي.
لقد نجح عدد من بلطجية الإسلام السياسي، والبعثيين الدواعش، في اختراق مجموعات النقاش، و مواقع التواصل الاجتماعي، لتضليل الرأي العام، و بث سمومهم، وابتزاز كل حريص على سلامة العراق و وحدته، بذريعة محاربة الصهيونية وأمريكا "الشيطان الأكبر". فإذا ما حذرتهم من تدخلات إيران في الشأن العراقي، شنوا عليك حملة التخوين والتسقيط والقذف والاتهامات الشنيعة الجاهزة بأنك من عملاء (الصهيو- أمريكية!)، و الجوكر الأمريكي على حد تعبيرهم... إلى آخره من التوصيفات والشتائم البذيئة والاتهامات السخيفة الجاهزة.
يواجه العراقيون المخلصون من النشطاء السياسيين في الداخل اليوم حملة إرهابية شعواء كتلك التي كانوا يواجهونها أيام حكم البعث الصدامي الساقط ، من اختطافات و تصفيات جسدية، واجتماعية، وطعنهم في شرفهم وأعراضهم، و اختزالهم إلى ما دون مستوى البشرsubhuman))، واتهامهم بأنهم عملاء السفارات الأمريكية والبريطانية، وأنهم كائنات لا تستحق الحياة، لتبرير تصفيتهم الجسدية، تماما كما كان في عهد البعث الصدامي. وبعد إغتيالهم، يعلنون في وسائل إعلامهم أن الاستخبارات الأمريكية والبريطانية هي التي قتلتهم لأنهم خرجوا عن تعاليم أسيادهم! وبهذه الطريقة يريدون إبعاد تهمة موجة الاختطافات والاغتيالات عن المليشيات الموالية لإيران، من كتائب حزب الله، وعصائب أهل الحق وغيرهما.
كذلك أود التوكيد، أنه ليس من حق أية جهة غير فلسطينية أن تتزايد على الشعب الفلسطيني في فرض حلولها عليه. فالشعب الفلسطيني، ومن خلال حكومته المنتخبة برئاسة السيد محمود عباس، أختار مبدأ حل الدولتين، الذي أقرته الأمم المتحدة، والجامعة العربية، بينما يرفض آية الله علي خامنئي المرشد الأعلى لإيران حل الدولتين ويشير ضمناً إلى أن فلسطين لا يمكن تجزئتها(3). غني عن القول أن هذا الموقف المتطرف غير عملي، و يضر بالقضية الفلسطينية، ويخدم اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة نتنياهو.
لا شك عندي أن إيران الإسلامية تشكل خطراً كبيراً على أمن وسلامة دول المنطقة، وبالأخص العراق، وفي هذا الخصوص أرى من المفيد الإشارة إلى مقال الكاتب والأكاديمي العراقي، الدكتور حميد الكفائي، الموسوم (متى ينتبه العالم إلى خطر الفاشية الإيرانية؟)، جاء في مقدمته ما يلي: "مسلسل الاغتيالات في العراق مستمر منذ سنين، ولا يمر يوم دون أن تُرتَكَب جريمة بشعة ضد المدنيين في مكان ما من البلد. الأربعاء الماضي، اغتيلت الناشطة النسوية المعروفة عراقيا، الدكتورة ريهام يعقوب في البصرة، وقبلها بأيام اغتيل الناشط المدني تحسين أسامة، وقبله أغتيل الصحفي أحمد عبدالصمد، وقبلهم اغتيل هشام الهاشمي وسعاد العلي، وهكذا تتوالى الاغتيالات لطليعة المجتمع العراقي الذين يطالبون بحياة حرة ودولة مستقلة غير تابعة لإيران". ويضيف: "من الذي قتل هؤلاء وآلاف غيرهم خلال 17 سنة؟ لا يوجد شك عند معظم العراقيين والمراقبين أن القتلة هم أعضاء المليشيات الإيرانية المنتشرة في العراق والتي تأتمر بأمر قائد (فيلق القدس) الإيراني المرتبط بالمرشد الإيراني علي خامنئي. المسألة ليست مجرد شكوك أو ظنون، بل الأدلة قائمة على هذه الجرائم البشعة بحق الشبان من صحفيين ومهنيين وناشطين."(4).
خلاصة القول، نحن كعراقيين، نرفض بشدة أية مزايدة من أي طرف كان على وطنيتنا وهويتنا العراقية. فالعراق مبتلى بين فاشيتين، فاشية إسرائيلية تتمادى في اضطهاد الشعب الفلسطيني، وفاشية إيرانية تريد الهيمنة على الشعب العراقي. ويستغل أتباع إيران من العراقيين، ولأغراض مختلفة ، بربرية الحكومة الإسرائيلية كتبرير لقبول هيمنة الحكومة الإيرانية على العراق. وهذا مرفوض جملة وتفصيلاً، فالعراق ومنذ خلاصه من حكم البعث الصدامي يواجه إرهاباً ومشاكل سياسية واقتصادية وانقسامات بين مكوناته وقواه السياسية، وفي هذه الحالة فالعراق أشبه بالرجل المريض في قسم العناية المركزة، ليس بإمكانه، ولا من مصلحته الدخول في أي محور من المحاور المتصارعة، أو المشاركة في حروب جديدة ضد أية دولة، بل يريد أن حقه في العيش بسلام، وعلاقة ودية وندية متكافئة مع إيران والسعودية وأمريكا وغيرها من دول العالم وفق المصالح المشتركة دون أي تدخل في الشأن الداخلي.
فهل من يسمع؟