بين الاطار التاريخى- اللاهوتى والترجمة الايديولوجية-المسيسة ؟!
الأب أثناسيوس حنين
نحن ندين بهذه الأفكار الجديدة والجريئة للبحث العلمى والاكاديمى الذى ظهر فى الكتاب-المرجع والذى يحتوى على درسات ومقالات وابحاث قام بها تلاميذ عالم المصريات والقبطيات الجليل جيرارد لوتكيهيوزين والذى خرج الى التقاعد بعد أن قضى جل عمره يبحث فى تاريخ وحضارة ووجدان مصر تاريخيا وثقافيا وكتابيا وبما من هذه الابحاث من مردودات لاهوتية (
The Wisdom of Egypt ,Jewish,Early Christian ,and Gnostic Essays in Honour of Gerard P.Luuttikhuizen , Brill,Leiden ,Boston ,2005 ,pp.3-5.
لا يكل العلماء والباحثين واللاهوتيين من البحث فى المكانة الكبيرة التى احتلتها مصر وتراثها وشعبها فى العالم القديم سواء أكان هذا العالم قديم الأيام وضارب فى التاريخ قبل المسيح أو أثناء ولادة المسيحية وبعدها بعقود كثيرة . تزداد هذه العلاقة عمقا حينما ندرس العلاقة بين مصر واسرائيل القديم أى الشعب العبرانى فى الكتاب الالهى . شكلت صورة مصر فى التاريخ العبرانى القديم أى فى كتاب العهد القديم العبرانى صورة البلد القوى والمتعلم والمتحضر ولا تقتصر قوة مصر على العلوم والحكمة بل هو بلد خصب الارض وفير الغذاء وملجأ ومضياف فى الأزمات والمجاعات وبلغة معاصرة كانت أرض مصر أرض اللجوء والهجرة كما يقول لنا الكتاب المقدس بعهده الأول (وحدث جوع فى الارض فأنحدر ابرام الى مصر ليتغرب هناك لان الجوع فى الارض كان شديدا )تكوين 12 ’10 ). وصل كرم مصر والمصريين الى درجة أن الشعب العبرانى ’ وبعد الخروج من مصر ’ تذمر وقام بثورة ضد نبى الله موسى وشريكه فى العمل هارون وقالوا لهم ( ليتنا متنا بيد الرب فى أرض مصر اذ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزا للشعب .فانكما اخرجتمانا الى هذا القفر لكى تميتا كل الجمهور بالجوع ) خروج 16 ’1 -3 . ارض مصر وقدورها هى ’ فى نظر العبرانى الجائع ’ من يد الرب حتى ولو أدت الى الموت شبعا ! كان الشعب على استعداد ان يشك فى وعود الله حينما يتذكر خير مصر بشكل تفصيلى . كان خير مصر الفرعونية والغير الموحدة بالله هو عطية السماء لهم . ولم يتوقفوا عن الثورة والتذمر على ترك صارت ارض مصر بخراتها سماء ثانية لهم ’ اذا ساهمت أرض مصر بخيراتها لكى لا يموتوا جوعا فى الصحراء الجرداء التى لا زاد فيها ولا لحم ولا خضرة ولا ماء
.حينما يقتل الجوع الشعوب ’ لا تسأل عن مصدر الخير بل تتلقاه بالعرفان ! هكذا كان الشعب العبرانى القديم . وها هم يثورون من جديد على زعيمهم موسى ’ صاحب الثقافة والعلم المصريين كما يشهد سفر أعمال الرسل ’حينما (تذكرنا السمك الذى ناكله فى مصر مجانا والقثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم ) عدد 11 ’ 5 . لقد يبست أنفس الشعب بعد الخروج من مصر ’ وحتى ذالك المن الذى جائهم من السماء وبقأمر الهى ’ لم يشبعهم مثل أرض مصر وخيراتها وخصبها هنا يأتى دور الرؤية النقدية لاحداث الكتاب الالهى والتى تميز بين كلام الوحى وتاريخ الشعوب ..
هنا يجب التمييز بين الرؤية الايدلوجية المسيسة ليهود الشتات والذين بدأو فى نسيان أصلهم الألهى والقصد من مسيرتهم وسيسوا الرؤية حتى صار عندنا فى عز النمو المسيحى من عرفهم العهد الجديد وقاومهم بولس فى رسائله (بالمتهودين) أى الذين يسيسون الرؤية الالهية لحسا قوميات ضيقة وأثنيات منغلقة. يجب تمييز هذا التيار عن التاريخ اللاهوتى فى الكتاب الالهى ’ أى بين الرؤية اليهودية المسيسة والرؤية المصرية المتلوهته وسنذكر مثالا واضحا على ذلك . نؤكد بأنه لم يقتصر دور مصر على الأزمات الغذائية والحياتية فى حياة اليهود ’ شعب الله وقتها ’ بل تعدى ذلك الى لعب دور كبير فى الأزمات السياسية التى كانت تعصف بالمنطقة ’ كانت بلد الملجأ واللجوء ’ وحينما ظهر هدد الأدومى خصما لسليمان ’ هرب الى مصر لاجئا (ملوك 1 ’11 :14 -23 ’ اشعياء 20 ’2 ’وأيضا نرى فى سفر الملوك الثانى 25 ’26 موقف الشعب وقت حصار اورشليم (فقام جميع الشعب من الصغير الى الكبير ورؤساء الجيش وجاءوا الى مصر لأنهم خافوا من الكلدانيين ).
هل يمكن لباحث أن ينكر أن السماء قد أعطت لمصر الوثنية شيئا من بركاتها هذه رسالة لمن يفرقون بين الله والشعوب "! بالرغم من كل ذلك ’ يجد الباحثون أن صورة مصر فى الكتاب العبرانى ’ أى العهد القديم بلغة المسيحيين ’ هى صورة سلبية ولقد كانت الصورة الوحيدة التى سيطرت على الجميع بما فيهم المسيحيين واللاهوتيين والوعاظ حتى اليوم . فمصر هى أرض العبودية (خروج 13 ’2 ’ تثنية 6 ’12 ’7’8 ) . وحينما أعطى الرب الشريعة الاخلاقية والروحية فى الوصايا العشر لم يقل لهم أنه اله السماء والارض ولا انه هو الخالق ولا هو الراعى ولكنه قدم نفسه على أنه الأله (الذى أخرجك من أرض مصر بيت العبودية) خروج 20 ’ 2 .
هل يصطدم هنا السرد الكتابى بالتاريخ أم التاريخ باللاهوت ؟!الحقيقة انه لا هذا أخطأ ولا أبواه !بل هو تسييس المترجمين للنصوص وعدم درايتهم بالخلفيات اللاهوتية والتاريخية والثقافية للشعوب التى تتحدث عنها لنصوص التى يتصدون لترجمتها حتى ولو كانت هذه النصوص مقدسة؟!. لقد ساهمت هذه الصورة السلبية عن مصر فى أخفاء مزاياها ودورها الايجابى فى حياة الشعب العبرانى . وزاد من ذلك تعلق الشعب اليهودى بالماضى ومحاولاته اعادة اكتشاف هويته القومية على حساب القوميات الأخرى الأقوى فى المنطقة ! ويزيد الصورة وضوحا كيفية قرأة العبرانيين للكتاب المقدس ومن يسير على نهجهم من المفسرين والشراح عبر التاريخ ’ ونقصد قرأة أية اشعياء النبى 19 ’25 وفيها يقول الوحى (مبارك شعبى مصر وعمل يدى أشور وميراثى اسرائيل ) وباليونانية السبعينية
(εύγλογημένος ό λαός μου ό έν Αίγύπτώ ,και ό έν Ασσυρίος ,και ή κληρονομία μου Ισραήλ)
,(blessed be my people that is in Egypt ,and that is among the Assyrians , and Israel mine inheritance ). وهذه الأية قيلت على فم أشعياء الذى نسميه (النبى الانجيلى ) أى الذى بشر بالصلح بين الشعوب وسقوط الخصومات والدليل أنه يسمى الاعداء القدامى لمصر وهم اشور واسرائيل "عمل يدى أشور وميراثى اسرائيل" . العداوة القديم بين الشعوب سقطت و صاروا عمل يد الرب وميراثه فى خضم بركة شعب مصر .وزادت البركة بانه سيكون مذبح للرب فى وسط أرض مصر أى حضورا للرب فى مصر أيا كانت التفسيرات اللاحقة .الرؤية اللاهوتية الجديدة على يد أشعياء ’ تنسخ الرؤية القديمة اذا جاز التعبير ؟! هكذا يراها المؤرخون . جأت التر جمة السبعينية على يد العلماء المتهودوهيلينيين والمهاجرين والذين نسوا العهود والوعود للشعب بأن يصير ملح للأرض ونور للعالم على يد أشعياء ’ كما سبق وشرحنا ولم تقبل هذه الرؤية التصالحية وتمسكت بالتاريخ قبل أشعياء ’ وزادت على الأية "شعبى مصر " الرابط "
الذى –هو باليونانية"
وصارت الاية الوعد مصدرة فرقة وعداوة وتكريس للتمييز العنصرى بل والصاقه بالله نفسه ! نقول صارت الأية "مبارك شعبى ""الذى"" فى مصر " أى شعبى اسرائيل فقط !!!" بينما الاية نفسها تفضح هذه الترجمة اذا يميز الوحى تعبيرا ’ بين شعبى مصر وميراثى اسرائيل وأشور بينما يضعهم جميعا تحت مظلة لاهوتية واحدة .دخلت البشرية فى مرحلة المصالحة الكبرى ورد الاعتبار اللاهوتى لتاريخ الشعوب وخاصة مصر .بينما هناك من يتمسكون بالنص اتلقديم قبل اشعياء بل ويبشرون به فى خضم لاهوت الاحقاد والتمييز العنصرى والاثنية البغيضة !!!حقا ومن الترجمة ما قتل شعوبا وشوه حضارات وكرس تفسيرا مسيسا ومعوجا لانجيل الاستقامة والحب .