إقبال بركة
الدكتورة ليلى تكلا تحظى بإعجاب وتقدير الكثيرين من المتابعين بشغف لآرائها ومقالاتها، ورغم أنى اقتنيت كتابها «تراثنا المسيحى الإسلامى المشترك» بعد نشره مباشرة، فإننى لم تُتَحْ لى الظروف لقراءته والتعقيب عليه بعد نشره عام 2015، ثم كان احتجازى القهرى فى البيت بمناسبة كورونا البغيضة فرصة للاستمتاع بواحد من أهم كتبها. ورغم أن ما قرأته معلوم لدىَّ بالضرورة بحكم اهتمامى بالموضوع، فأستطيع أن أقول إنى أتفق مع د. تكلا فى كل ما طرحته فى هذا الكتاب اتفاقًا يصل إلى حد التطابق.
والدكتورة تكلا، أستاذة القانون والإدارة، وجه مشرف لكل العرب نساءً ورجالًا، ولا أبالغ إذا قلت إنها نموذج يشرف النساء فى العالم كله، وهى حاصلة على الدكتوراه من جامعة نيويورك، ولن يتسع المجال لتعداد المناصب التى شغلتها والجوائز الدولية والمحلية التى فازت بها.
فى هذا الكتاب، «تراثنا المسيحى الإسلامى المشترك» (الهيئة العامة للكتاب 2015) تسلط د. ليلى تكلا الضوء على صفة تميز مصر عن بلدان كثيرة، هى التعددية الثقافية، وتلك حقيقة لا تحتمل الجدال، ثم هى تؤكد العلاقة الحميمة بين الإسلام والمسيحية، وتقدم البراهين المُوثَّقة بالآيات القرآنية على أن الفروق بين المسيحية والإسلام أقل مما يظن البعض، وأن ما يجمع بينهما أكثر مما يفرق، وأكثر مما يجمع بين أى عقائد أخرى. وهى لا تقول ذلك كرأى أو وجهة نظر، ولا تؤكد فحسب، وإنما تشير إلى أقوال ثابتة وآيات حكيمة منزلة فى القرآن الكريم وفى السُّنة المشرفة.
وفى البداية تُذكِّرنا د. تكلا بحقيقة ربما غفل عنها أو نسيها البعض، وهى أن الديانة اليهودية لا تعترف بالمسيحية، على عكس الإسلام، الذى يدعو إلى التلاقى والتفاهم بين كل الأديان السماوية فى العديد من آيات كتابه الحكيم، وترى أن العداء الذى يُكِنّه بعض أعضاء الجماعات الإسلامية لأقباط مصر لا مبرر ولا سند له فى القرآن الكريم أو السُّنة. إن القرآن الكريم لم يأتِ بجديد، بل مُصدِّقًا ومُفصِّلًا لما جاء قبله من الكتب السماوية (يونس 37) و(فاطر 31)، كما أن الإسلام يقبل ويحترم التعدد (المائدة 48) وأمثلة أخرى عديدة تؤكد أن الإسلام عقيدة تتقبل كل الأديان السماوية، وأهمها اليهودية والمسيحية، ويعترف بكل الرسل من قبل الإسلام (البقرة 136 و285 والنساء 136 و152). الأهم من ذلك، كما ترى د. تكلا، أن الإسلام يحرص على العلاقة الطيبة بين الأديان السماوية، ويأمر المسلمين بألا يجادلوا أهل الكتاب «إلا بالتى هى أحسن» (النحل 125 والعنكبوت 146)، ويدعوهم إلى الاقتداء بحواريى المسيح: «يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله» (الصف 14). وتذهب د. تكلا إلى أبعد من ذلك، فتُذكِّرنا بأن فى بعض آيات القرآن الكريم مديحًا للنصارى والقسيسين والرهبان، الذين يصفهم بأنهم «أقربهم مودة للذين آمنوا»، وأنهم لا يستكبرون (المائدة 82)، وفى قلبهم رأفة ورحمة.
وتلفت د. تكلا إلى أن أهل الكهف الذين دافع عنهم القرآن الكريم كانوا نصارى صالحين ثبتوا على إيمانهم ودافعوا عنه، كذلك «أصحاب الأخدود»، الذين قُتلوا وهم مؤمنون بالله العزيز الحميد (البروج 4- 10).
ويتفق الإسلام مع المسيحية فى الاعتراف بأن المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته التى ألقاها إلى مريم وروح منه (سورة النساء- الآية 171). وهو النبى الوحيد الذى كانت ولادته بمعجزة من عند الله، لم تتكرر، وأنه تكلم فى المهد صبيًا، وأتى بمعجزات، وصعد إلى السماء.
وتذكر د. تكلا أن أول جملة فى إنجيل يوحنا هى «فى البدء كانت الكلمة، والكلمة كانت عند الله»، وأن الروح القدس، أحد أركان المسيحية، مذكور فى القرآن، والإنجيل كتاب مقدس أنزله الله، ولم يكتبه أحد من البشر.
وفى النهاية تطرح د. تكلا السؤال: هل يمكن أن يتجاوز البشر الاختلافات العقائدية والمذهبية ليعيشوا فى سلام؟ وترد بأن التجربة المصرية خير مثال على ذلك، فعندما ثار الشعب فى يناير 2011، ثم فى 30 يونيو، ثورة شعبية خالصة، لم تكن المواجهة بين العقيدة الدينية أو السياسية، إنما كانت تصدى الشعب كله بطوائفه وعقائده للإرهاب الأسود، والمطالبة بتغيير النظام من الثيوقراطية إلى ديمقراطية تحقق أهداف الشعب بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية، فالشباب يسعى إلى الكرامة الإنسانية وليس إلى تغليب دين أو عقيدة على الأخرى.
نقلا عن المصرى اليوم