سليمان شفيق
الاحظ في العامين الاخيرين غياب الشباب المصري الثوري خاصة الاقباط المسيحيين منهم ،وليس هناك سبب واحد لذلك فمنهم من وقع في اخطاء ادت به للسجون ، ومنهم من لا اتهام له معروف حتي الان رغم انهم لعبوا ادوارا محورية بعد سنوات من العزلة، والانحصار خلف أسوار الكاتدرائية، أسهمت ثورة 25 يناير، فى أن يكسر الشباب القبطى أطواق الكنيسة ويهرول للشارع يرفع الصلبان ولافتات مطالبه، يصرخ بحقوقه فى وجه النظام، لا يطلب بأمل الرجاء من البابا.. كانت إرهاصات تمرد الأقباط والخروج من عباءة الكنيسة طائفية قبل شهور من ثورة 25 يناير، وخاصة مع اندلاع أحداث كنيسة العمرانية نهاية 2010، وتبعها الغضب القبطى من تفجير كنيسة القديسين قبل أيام من ثورة يناير.. التحم الأقباط مع باقى المصريين ليرسموا صورة الثورة فى ميدان التحرير وكل ميادين مصر، ثاروا رغم خوف الكنيسة عليهم، وهدأوا حينما ظنوا أن شعارات «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» ستتحقق، ولكن كانت الأحداث الطائفية لهم بالمرصاد، فبين أحداث كنيسة صول والماريناب، خرج الأقباط يعتصمون أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون «ماسبيرو»، وهى نقطة التحول الدراماتيكى فى علاقة الأقباط والكنيسة بالدولة، بعد أن تناثرت أشلاء 23 قبطياً تحت عجلات الآليات العسكرية، وجاهد الأقباط بدعم من الكنيسة ليحصلوا على حقوقهم السياسية، وهو ما عُرف بـ«المقاومة المكتومة»، ولكن مع قرب اعتلاء الإخوان لكرسى السلطة، رحل «البابا شنودة الثالث» الذى سيطر عليهم وشكل وجدانهم لأكثر من 40 عاماً، وفى ظل
المرحلة الانتقالية التى كانت تعيشها الكنيسة، كان الأقباط فى الخارج يبلورون ائتلافاتهم وحركاتهم السياسية، يحاولون أن يلعبوا دوراً مؤثراً على المسرح السياسى، ولا يصبحون أداة طيعة فى يد الكنيسة، التى كانت المُعبر والناطق باسمهم والمتفاوض الوحيد مع سلطات النظام.
أراد الأقباط أن يصبح لهم صوت وقرار، وهو ماحاول منحه لهم الأنبا تواضروس الذى صار «البابا تواضروس الثانى»، فى نهاية عام 2012، ليعلن أن الكنيسة مؤسسة روحية، وأن الأقباط أحرار فى تحديد مصيرهم السياسى، ولا علاقة للكنيسة بالسياسة، لترفع اليد رسمياً عن الأقباط، ويشهد عام 2013، الانقلاب الحقيقى للأقباط أو «الخروج الكبير». «30 يونيو».. إذا كان هذا التاريخ يمثل للمصريين شيئاً، فإنه يمثل للمصريين الأقباط، تاريخ «الخروج الكبير»، ولكن اين ذهب الشباب القبطي بعد الخروج ؟
منذ فترة طويلة اتابع عن كثب نضالات حركات الشباب القبطي خاصة اتحاد شباب ماسبيرو ، مجتمعين ومنفردين، وبحكم دراستي ادركت ان المواطنين المصريين الأقباط كمكون رئيسي لمكونات الأمة المصرية استطاعوا طوال قرن من الزمان ونيف أن يساهموا في كل الثورات المصر ( 1804_ 1882_1919_1952_ يناير 2011_ 30يونيو2013) كما لم يبخلوا بالعرق والدم في كل حروب القوات المسلحة، ودفعوا أثمانا غاليا من جراء حرق كنائسهم وممتلكاتهم بعد فض الاعتصامات الإرهابية في "النهضة ورابعة" ورغم كل هذه التضحيات لم تتحقق لهم المواطنة الكاملة وربما يعود ذلك إلى عده عوامل.
أولًا: إنابة الكنيسة عن الأقباط وتلخيص الكنيسة في شخص البطريرك.
ثانيا: منذ تأسيس أول مجلس ملي في مطلع القرن التاسع عشر وحتى المجلس الملي الأخير(17) مجلس ملي لم يكتمل منهم الا اثنين ، وهناك صراعات بين الاكليروس والعلمانيين أفقدت المجالس الملية فاعليتها.
ثالثا: انتهازيه قطاع كبير من العلمانيين الأقباط وتسولهم الرضا والنفوذ من جلوسهم في الصفوف الأولي بالكنائس في الأعياد. ولكن بعد مذبحه ماسبيرو المعروفة ظهرت مبادرات شبابيه مهمة منها اتحاد شباب ماسبيرو الذي عُمد بالدم وارتوى كيانهم بالدموع.. هؤلاء الذين اثبتوا دائما انهم ولاة الدم والمؤتمنين علية ، وفي لحظات فارقة بعد ماسبيرو وقف هؤلاء شبة منفردين امام الاعاصير ، اذكر اول مظاهرة ضد الاخوان كانت من الشباب القبطي بدعوة من شباب ماسبيرو، الاعداد ل ثورة 30 يونيو وصولا للمشاركة الحقيقية لانجاحها ، تكوينهم خلاية أزمة سبقت الجميع دولة وكنيسة ومجتمع مدني في كارثتين كبيرتين : الاولي بعد الاحداث الدموية التي قادها الاخوان وحلفائهم ضد الوطن والمسيحيين والكنائس بعد فض الاعتصامات الارهابية في النهضة ورابعة ، وكان لي شرف معرفتهم عن قرب ورايتهم يديرون الازمة ويوثقونها ويذهبون في بطولة الي موقع الاحداث حتي المنيا ودلجا في وقت كان من يذهب من الممكن ان تكون التكلفة حياتة ، وفي ازمة "تهجير" الارهابيين للاقباط العرايشة الي الاسماعيلية سبق هؤلاء الشباب الجميع( دولة وكنيسة ومجتمع مدني ) وحركوا الجميع في جبهة وطنية متحدة وجمدوا تناقضاتهم مع الجميع ،واداروا الخلافات في احترام متبادل ورؤية وأرضية مشتركة تجمع بين طياتها الاحتفاظ بحق الخلاف دون أطروحات راديكالية أو استعلائية ولكن فجأة خرجت علينا بعض اقلام اشقاء اعزاء من بعض الاقباط تحمل في خطابات اتهامات قاسية غير مبررة علي الإطلاق.
كما لعب بعض كبار الاكليروس دورا في الاستقطاب تارة ، وفي تارة اخري التشهير أملين اسكات هذة الاصوات الثورية ونجحوا كما نجح السادات في تحجيم شباب اليسار ، ولكن كما حل الارهابيين محل شباب اليسار حل المتشددين من شباب الاقباط محل الثوريين من شباب الاقباط وتحول الامر الي "شتائم واتهامات بالهرطقة" حتي لقداسة البابا ؟!!
هكذا فقدت الحركة الوطنية التيار المصري القبطي ، وفقدت الكنيسة تيار كنسي قارب علي الاندماج المجتمعي والسياسي ، وتبقي للوطن والكنيسة قبادات انتهازية علمانية من لديهم رؤية الاستحواز والمصالح ، والبحث عن مصالحهم مهما كان الثمن .
هكذا فقدنا جيل ما بين الصمت او السجن او البحث عن السلطة الكنسية والاستقواء بها من أجل مقعد في البرلمان او الشيوخ دون هدف غير ذلك .
لكن مصر اقوي والشباب لن يغيب كثيرا .