فاطمة ناعوت
طبيبةُ المستقبل القريب: «آية طه حسين»، وطبيب المستقبل القريب: «إبراهيم عبدالناصر راضى»، وجهان مصريّان جميلان، من تلك التى تصادفُها فى كل مكان. الأولى ابنة محافظة البحيرة، والثانى من محافظة الإسكندرية. لم يلتقيا من قبل، وإن جمعت بينهما عديدُ الأشياء. جمعَ بينهما الوطنُ والملامحُ المصرية الآسرة. جمع بينهما تقاربُ العمر، حيث أنهيا هذا العام امتحانات الثانوية العامة بمجموع فائق، ربا على الـ ٩٩٪. جمعتْ بينهما الرغبةُ فى الالتحاق بكلية الطبّ البشرى، وضمن لهما التفوقُ هذا. بعد بضع سنوات بإذن الله، سوف تجمعُ بينهما مهنةُ الطبّ النبيلة، وشرف البالطو الأبيض. سوف يتعلّمان خلال السنوات القادمة كيف يُخفِّفان آلامَ المأزومين، وأوجاعَ المجروحين؛ بمباضع الجراحة وعقاقير التداوى. سوف يتلوان قَسمَ الشرف العظيم، المستوحى من قَسَم «أبقراط»، «أبى الطب» الإغريقى، الذى خطّه فى القرن الرابع قبل الميلاد، قائليْـن: «أقسمُ بالله العظيم أن أراقبَ اللهَ فى مهنتى. وأن أصونَ حياةَ الإنسان فى كافة أدوارها، فى كل الظروف والأحوال، باذلًا وُسعى فى استنقاذها من الموت والمرض والألم والقلق، وأن أحفظ للناس كرامتهم، وأسترَ عوراتهم، وأكتم سرّهم. وأن أكون على الدوام من وسائل رحمة الله، باذلًا رعايتى الطبيّة للقريب والبعيد، الصالح والطالح، والصديق والعدو. وأن أثابر على طلب العلم، أُسخِّره لنفع الإنسان لا لأذاه. وأن أوقِّرَ من علّمنى، وأُعلّم من يصغرنى، وأكون أخًا لكل زميل فى المهنة الطبية فى نطاق البرّ والتقوى. وأن تكون حياتى مصداق إيمانى فى سرى وعلانيتى، نقيًا مما يشيننى أمام الله ورسوله والمؤمنين. والله على ما أقول شهيد». وسوف يتعلّمان أن ينقشا «عين حورس» على روشتة الوصفات الطبيبة التى يكتبانها، كما كان «أبقراط» ينقشُها على صدر أى وصفة طبيّة، إيمانًا منه بعظمة الطبّ المصرىّ القديم. ومع الزمان تطورت «عينُ حورس» لتغدو على شكل حرفى (Rx) المتشابكين، التى نراها مطبوعة على جميع روشتات العالم. وسوف يغدوان بإذن الله طبيبين عظيمين يُشرّفان اسمَ مصر فى محافل العالم الطبية والعلمية.
«آية» و«إبراهيم» صبيّةٌ وصبيٌّىٌّ فى بداية مشوار حياتهما، يجمعُ بينهما صخبٌ إعلامىّ أحاط بهما منذ أُعلنت نتائجُ الثانوية العامة قبل أيام، ويجمعُ بينهما احتفاءُ الحكومة المصرية والمؤسسات العلمية والأزهر الشريف والجامعات المصرية بما صنعا. وتجمعُ بينهما وعودٌ كريمة بمنح دراسية مجانية، ليس وحسب مقابل تفوقهما فى الثانوية العامة، بل لأن ذاك التفوّق كان عصيًّا وعسرًا، يحملُ من التعب ما يحملُ، ويحملُ من الكدّ والكفاح وتحمّل مسؤولية الأشقاء الصغار ومساندة الأم والأب على العمل، الشىءَ الكثير.
لا شىء فريدًا يجمعُ بين الشابين الجميلين: «آية طه»، و«إبراهيم عبدالناصر» فى هذا المقال إلا المشتركاتُ السابقة، التى قد تجمع بين بشر كثيرين غيرهما. غير أن الرابطَ الأساسَ الذى يضفرُ هذين الاسمين هو »«الدرسُ» الذى تعلّمناه من هذين الصغيرين، و«المعادلة» التى نسجها هذان الطالبان المتفوقان. ولا ضيرَ مطلقًا فى أن نتعلّم من أبنائنا ما فاتنا أن نتعلّمه فى حياتنا.
أما الدرسُ: فهو أن ضيقَ ذات اليد شرفٌ وعِزّة، إن اقترن بالعمل والكفاح وتحمّل المسؤولية. تعلّمنا منهما أن رقّة الحال وعُسر الظرف والعمل المبكّر ليست مبررًا لإهمال تحصيل العلم والتفوق والإصرار على احتلال مكان فى حقل المهن الرفيعة التى يصبو إليها الناس. تعلّمنا منهما أن النبلاءَ إن عاشوا حياة صعبة، يجهدون بقية حياتهم أن يُجنبوا الناسَ ما مرّوا به من صعوبات، فيمتهنون مهنًا تساعدُ الإنسانَ وترتقى به. تعلّمنا منهما أن «أولاد الأصول» لا يخجلون من مهن آبائهم وأمهاتهم مهما كانت بسيطة، بل يقفون أمام الشاشات فى ثباتٍ يعلنونها بفخر وإكبار؛ لأن العملَ، أىَّ عمل، مجالُ تقييمه الأوحد لا يكون إلا فى «محكمة الشرف». وكلُّ عملٍ شريف هو بالضرورة عملٌ رفيع وراقٍ.
وأما «المعادلةُ» التى نسجها كلٌّ من«آية» و«إبراهيم» لكى نتأملها، فهى متعددةُ الحدود من «الدرجة الرابعة».. تدرجتْ من معادلاتٍ خطية ثنائية ثم ثلاثية حتى وصلت إلى المستوى الأعلى. الكفاح + الجَلَد = النجاح. النجاح + تحمّل مسؤولية الأسرة + الثقة بالنفس والاعتزاز بالأصول = الإنسانية الفائقة. الإنسانية + الموهبة والتوقّد الذهنى + الإصرار على التفوق + الثقة بالله والبساطة = هنا تكون المعادلةُ الإنسانية قد وصلت أوجَها الفائق.. ما يدفع المرءَ للسعى لمصافحة أولئك النابهين.
تحية احترام للجميلة «آية» وأسرتها، والجميل «إبراهيم» وأسرته، ولمصرَ العزيزة التى أنبتتْ تلك النبتات الطيبة؛ وسوف ترعاها.
«الدينُ لله والوطنُ لمن يعلو باسمِ الوطن».
نقلا عن المصرى اليوم