قصّة للاطفال بقلم : زهير دعيم
في اليوم الذي ولدت فيه جمان، الطفلة الصغيرة الشقراء قبل خمس سنوات لأبوين فقيرين، يسكنان بيتًا صغيرًا. وُلِد جميل في ظروف مغايرة تمامًا. فوالداه غنيّان يملكان بيتًا فخمًا وسيّارة حمراء وأموالًا كثيرة ، فكان الفرق بينهما اكبر من الأمتار القليلة التي تفصل بين بيتهما، فهذا يعيش متنعّمًا يلهو بأحلى وأجمل الدّمى ، ويتلذّذ بأطيب الأطعمة والحلويات ، وتلك تعيش الفقر والحرمان. .
وتبكي جمان الى والديها ، انها تريد دمية تلعب بها، وتريد كما جميل "صاروخًا:"من البوظة يطفئ ظمأها، فلا تلقى غير الوعد...غدًا يا طفلتي تُفرج الأمور، غدًا يا بنيتي تتغيّر الأحوال وتتبدّد ، وسيكون لكِ ما تريدين..
ويأتي "غدًا" ويأتي غد آخر، ولا جديد تحت الشمس. وحاولت جمان ان تتقرّب من جميل وتتودّد اليه ، لعلّه يرمي لها بدمية من دماه الكثيرة ، او بقطعة من حلوى ، ولكن دون جدوى ، فأهله يمنعونه من ذلك ، أليسوا أناساً أكابر!! ينظرون الى الفقراء من فوق ؟ فكيف بجمان وأهلها والعلاقة بينهم سيئة بل مقطوعة ....فقد اتهم أبو جميل جاره أكثر من مرّة بالسرقة زورًا وبهتانًا.
وجاء الأول من أيلول ، اليوم الذي يفرح فيه الأطفال بحقائبهم وملابسهم الجديدة وهم يعودون الى مدارسهم ، خاصّة طلاب البستان منهم الذين يذهبون لأول مرّة.
ذهبت جمان كأترابها ، بفستان جديد بسيط وجديلتين شقراوين صغيرتين ، تحمل حقيبة بسيطة حمراء ذهبت وهي تمسك بيد أمها فرحة مسرورة ، في حين ركب جميل السّيّارة الحمراء الى جوار والده ، وهو يحمل حقيبة ثمينة ويلبس أغلى الملابس.
مرّ جميل وأبوه بسيارتهما الحمراء بجمان وأمها ، ولكنهما لم يلتفتا إليهما .
وكانت الصدفة الكبيرة ...الكبيرة حقّا...ان يجلس جميل هكذا كما في الحياة الى جانب جمان ، فيبتسم لها وتبتسم له ، ويقضيان نهارهما في اللهو واللعب مع بعضهما يشاركها باقي الطلاّب الصغار، الى ان حان وقت الانصراف ، فأخبر جميل صديقته الجديدة جمان بأنها ستركب معه السيارة الحمراء، فلمعت عيناها فرحًا .
جاء أبو جميل بسيارته الحمراء ليأخذ ولده ، وجاءت أمّ جمان لتصطحب أيضاً ابنتها.
وأصرّ جميل ان يأخذ معه جمان وامّها في السيارة الحمراء ، ولكن الوالد رفض بشدّة وأصرَّ على رفضه ، وحاول إقناع ولده أنهما وعائلة جمان على خلاف ، وانّه لن يتنازل ويجرح كرامته ويعرض عليهما خدماته .
وكان ما لم يتوقّعه الأب ، فقد أبى جميل أن يصعد إلى السيارة بدون جمان وأمّها ، وصمّم أن يرافقهما مشيًا على الأقدام ، واخذ يركض خلفهما وسط دهشة والده وهو يصيح :جمان ....جمان ....انتظريني ...انتظريني.التفتت جمان ، والتفتت الأمّ وضمّته إلى صدرها وهي تقبّله وتبكي
وبعد دقائق معدودات وصلت السيّارة الحمراء إلى الحارة تحمل أربعة من الجيران ، ويترجّل منها طفل وسيم يمسك بيد طفلة شقراء جميلة..