يوسف سيدهم
في نهاية العام الماضي ونحن نتأهب لنخطو إلي هذا العام -وكما تعودنا كل عام- شرعنا هنا في وطني في عقد الاجتماعات التحريرية لتقييم أداء عام منصرم ووضع رؤية متجددة لعام آت… وفي هذا الإطار اجتمعت المجموعة التحريرية الراعية لصفحة مقالات الرأي حيث تم استعراض باقة الكتاب المرموقين الذين يساهمون في إثراء هذه الصفحة علاوة علي الجهود المبذولة نحو دعوة أقلام جديدة للانضمام إليهم, مع التأكيد علي استمرار الصفحة في إعادة نشر ما سبق نشره من كتابات مؤسس وطني الأستاذ أنطون سيدهم الذي كتب مقاله الافتتاحي بانتظام طيلة عشرين عاما (1975-1995) خاصة تلك المقالات التي يرتبط موضوعها ومضمونها بأحداث وظروف معاصرة دعتنا في بعض الأحيان أن نضع لها عنوانا تمهيديا ونحن نعيد نشرها يقول: ما أشبه اليوم بالبارحة… وأيضا في هذا الصدد التأكيد علي نشر سلسلة كتابات من زمن فات التي تستخرج من أرشيف وطني ما ازدان به في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي من مقالات كبار الأدباء والمفكرين الذين أثروا الجريدة وقراءها فكرا ووعيا وتنويرا… ولا يفوتني أن أسجل أن الاجتماع أضاف عمودا أسبوعيا تحرره إحدي عضوات فريق المحررات تطعيما لمحتواها.
بعد ذلك عرج الاجتماع إلي ما نطلق عليه العصف الذهني لطرح أفكار جديدة يتم إدخالها علي برنامج عمل الصفحة سعيا لتقديم الجديد الشيق الذي يحول دون إحساس القراء بالرتابة… وتدفقت الأفكار وتنوعت حتي برز في مقدمتها اقتراح بإجراء حوارات مع كتاب الصفحة تتجاوز ما يكتبون وتغوص في نشأتهم وسيرتهم وفكرهم وعطائهم… وبطبيعة الحال نال هذا الاقتراح قدرا كبيرا من التأييد والحماس وفجر علي الفور التباري بين عضوات المجموعة التحريرية الراعية للصفحة لسرعة اتصال كل منهن بمصادرهن ضمن باقة كتاب الصفحة للترتيب لإجراء تلك الحوارات.
لكن سرعان ما ظهر معيار مهم فرض نفسه كان يدعونا لوضع تصور خاص وغير تقليدي في تنفيذ هذه الحوارات, فبالأخذ في الاعتبار أننا نحاور كتاب باب مقالات الرأي كان علينا أن نتجاوز النهج النمطي الكلاسيكي للحوارات التي تتم مع سائر المسئولين أو الشخصيات العامة وغيرهم… وهنا استقر الرأي علي المعايير الآتية:
- دراسة عميقة لسيرة وفكر وعطاء من نحاوره.
- رصد دؤوب لكتاباته وما نشر له من مؤلفات.
- أن يتطرق الحوار إلي سائر نواحي الاتفاق والاختلاف مع فكره, لخلق مجال خصب يلقي الضوء علي كافة جوانب قناعاته ومعتقداته ودفاعاته عن آرائه.
- مشاركة جميع عضوات فريق رعاية الصفحة في إجراء كل حوار وعدم اقتصار ذلك علي عدد محدد منهن وذلك لإثراء المناقشات وتوسيع رقعة الغوص في أعماق الشخصية موضوع الحوار, الأمر الذي أفرز العنوان التمهيدي الذي تم الاتفاق عليه ليتصدر تلك السلسلة من الحوارات وهو محاكمة رواد الفكر والتي تم الاستقرار علي أن يتم تجهيزها ونشرها بمعدل ربع سنوي (مرة كل ثلاثة شهور).
التهب حماس المجموعة وشرعن في الاستعداد لإجراء باكورة هذه الحوارات والحقيقة أن اختيار من سيكون أول من تحاورهم الصفحة لم يستغرق الكثير من الوقت أو الجدل أو المفاضلة, فبالرغم من قيمة وقامة جميع من تستضيفهم الصفحة سرعان ما ظهر أولا وتصدر القائمة فيلسوف عصرنا وصاحب الفكر الرفيع والقلم الرصين الدكتور مراد وهبة.
وانغمست عضوات الفريق في مهمة محمومة نحو الاستعداد للحوار المرتقب يظللهن اهتمام كبير ممزوج بالرهبة خشية عدم التسلح الكامل الذي يؤهلهن لمناقشة هذه القيمة الرفيعة الفكر والتنوير والفلسفة… وعندما حان اللقاء -وكان ذلك في مستهل شهر مارس الماضي- ذهبن وعدن ومعهن خلاصة محاكمة الدكتور مراد وهبة يضاف عليها إحساسهن بقدر ملحوظ من السعادة والفخر والإنجاز لما أسفر عنه ذلك الحوار.
ولعلكم لاحظتم ذكري أن الحوار جري في مستهل مارس الماضي, ولعل بعضكم تساءل: هل فاتني قراءته علي صفحات وطني؟… أو: لماذا لم ينشر حتي الآن؟… والحقيقة أنني المسئول عن تأجيل نشره أسبوعا وراء أسبوع وشهرا تلو شهر, فسعادتي ورضائي المهني بهذا الحوار وتصدره لسلسلة محاكمة رواد الفكر جعلاني أتريث في نشره بسبب انغماس البلاد في جائحة كورونا وما صاحبها من ارتباك المجتمع وتوجسه وما تبع ذلك من تعثر انتشار وتوزيع الصحف, ثم جاءت الضربة التالية التي حاقت بنا في وطني وهي إغلاق الكنائس وأنشطتها الأمر الذي أثر بالسلب أيضا علي التوزيع.
ومضت الشهور وأنا لا يغيب عني ملف هذا الحوار وأتحين الفرصة لنشره في ظروف مواتية لانتشاره ووصوله إلي أكبر عدد ممكن من القراء, إيفاء لقيمة وقامة الدكتور مراد وهبة… ومع توالي قرارات الدولة نحو عودة الحياة لطبيعتها والخروج من حالة الإغلاق, ومع عودة فتح الكنائس المغلقة ومعاودة أنشطتها, ومع ظهور بوادر إيجابية للتحرر من شرنقة كورونا بالرغم من عدم اختفائها, ها قد لاحت الفرصة التي طال انتظارها لنشر هذا الحوار الذي تزدان به صفحة مقالات الرأي في هذا العدد ولكن تحت عنوان محاكمة رواد الفكر… وإلي اللقاء في الحوار التالي في تلك السلسلة.