فيفيان سمير
شمس اليوم الدافئة افترشت غرفتي، أيقظتني، سرحت في خيوطها، سنين كثيرة لم يكن لي سواها صديق.
أفتح عيني كل صباح، أنظر حولي فلا أجد سوى نورها يؤنس وحدتي، اذهب لعملي، أعود، أنام، دائرة لا تتغير تفاصيلها، تطويني الأيام ولا جديد.
ذلك اليوم حين عودتي لاحظت نور الفيلا المجاورة لي، لأول مرة، مضيئ، تعجبت فلم أرى احدا بها منذ انتقلت للسكن بهذا الجوار منذ أربع سنوات، انتابني قليل من الفضول الذي سرعان ما نسيته.
اعتدت ان أرى الفيلا المضيئة وكأنها تؤنس ليلى رغم أنى لم أرى احدا من ساكنيها، ثم ظهر البواب وزوجته واولاده، مظاهر الحياة جميلة تدعوا للتفاؤل.
تمر أيام وتظهر هذه الجميلة تقف مع بواب الجيران توجهه للعمل في حديقة الفيلا والحديقة الخارجية، من هي؟ هل هي مهندسة زراعية تنسق الحديقة ام هي أحد سكان الفيلا؟ علقت صورتها المبتسمة بعيني حتى غرقت في النوم وهي لم تفارقني.
اعتدت ان أرى الجميلة تعمل في الحديقة يقفز حولها الصغار يضحكون ويلعبون، يديها الجميلتين تلامس أوراق الورد فلا تعرف ايهما أرق، عينيها تحتضن الشجر بحب، تعالج المريض منها وتفخر بالزاهي منها، تشعر أنها تكلمهم وتسمعهم.
تجرأت يوما ان القى تحية المساء لأول مرة، رفعت عينيها العسليتين المبتسمتين وأجابتني، وكأنها كانت تعرف أنى سأفعل، هبط قلبي بين ضلوعي، تلعثمت لم أدري ما يجب ان أفعل او أقول فذهبت مسرعا مرتبكا.
أصبحت أحب الحياة أكثر، أعود من عملي متلهفا متمنيا أن تكون بالحديقة لأسمع صوتها تجيب تحيتي وحسب، لم اطمع في أكثر من ذلك وإن كنت تمنيت، وأحيانا كان يخيب أملي فلا اجدها.
وجدتها يوما تروى الزرع بنفسها وقد غاب البواب وابنائه فكانت فرصة لأن اطيل الحديث معها قليلا، سألتها عليه، أجابتني متهللة ان زوجته اقترب موعد ولادتها فذهبوا جميعا إلى بلدتهم، عرضت عليها المساعدة فشكرتني برقتها الشديدة، فقد انتهت اليوم من العمل، واستأذنت في الدخول إلى بيتها، كم كانت سعادتي بتلك الكلمات القليلة، لم أعرف سبب هذه السعادة لكنني استمتعت بها كثيرا.
مر ثلاثة أيام لم أرها فشعرت بوحدتي تعود بقسوتها، لكن الان لم اعد احتملها او اصادقها كسابق عهدي، أثناء شرودي وحزني جالسا في شرفة منزلي رأيت رجلا غريبا يدخل فيلا جارتي الجميلة، من يكون؟ لم اره من قبل، شغلني جدا، أزعجني، زاد من ضيقي حد الاختناق، افقت على مشاعري هذه، يا إلهي ما هذا؟ ماذا أصابني؟ لماذا كل هذا الاهتمام الذي لم اوليه لأحد من قبل؟ لماذا كل هذا الضيق؟ هذه الغريبة التي لا أعرف حتى أسمها لماذا تحتل كل هذه المساحة من تفكيري واهتمامي؟ قاطع مشاعري، الملتبسة المضطربة هذه، ظهوره مرة ثانية خارجا من الفيلا، تودعه سيدة وقور كبيرة السن افترضت انها والدتها، ودون أن أدرى وجدتني أقف أمامها بلا مقدمات، نظرت إلى السيدة بتعجب وتساؤل، بعد تردد غالبت خجلي وعرفتها بنفسي وأخبرتها أنى أعرف بغياب البواب وحين رأيتها بالباب أسرعت لمساعدتها، فشكرتني واستأذنت للدخول لأن أبنتها مريضة، إذا هذا الرجل كان الطبيب.
مرت ايام ثقيلة جدا وكئيبة، عادت بعدها جارتي تشرق بين زهراتها، وقفت أتأملها، كم هي رقيقة، مبهجة، مجرد مرآها يشع دفئا وحياة، هذه المرة لم القى تحية المساء وأعبر كعادتي لكنني اقتربت بهدوء وهمست بكلمات لم أعرف كيف ومن أين أتت، أو أنى قادر على النطق بها، أحنت رأسها مبتسمة، قبلت دعوتها للاقتراب، رفعت وجهها إلى، غاصت روحي داخلها، أسرتني، اذابتني، سرت رعدة بأوصالي، احتضنت يديها بين كفى وتمنيت الا اغادر، الا ارفع ناظري عن موطني بعد ان سكنته.
هذا الوجه الحالم، مازالت عيني عالقة به حتى أيقظتني شمس النهار الجديد.