الأقباط متحدون - أقباط وانتخابات ومزايدات
أخر تحديث ٠٦:٥٠ | الاربعاء ٢٣ مايو ٢٠١٢ | ١٥ بشنس ١٧٢٨ ش | العدد ٢٧٦٩ السنة السابعة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أقباط وانتخابات ومزايدات

بقلم- شمعي أسعد
يمارس الجميع الآن الضغط النفسي على الأقباط، مذكرين إياهم بدماء الشهداء (شهداء المسيحيين تحديدًاُ كأنهم بلا ضمير لا يهمهم سوى شهدائهم)، حيث يقوم من يمارس هذا النوع من الضغط باستخدام لغة عاطفية شديدة الرقة، مثل تعبيرات "نداء إلى إخوتنا الأقباط أو أهلنا الأقباط"، ثم يحدد ما يريده بعد كل تلك النداءات الإنسانية بطلب أكثر إنسانية، وهو أن يصحو ضمير الأقباط، ولا يضحون بدماء الشهداء، فيذهبون إلى صناديق الانتخابات ليعطوا أصواتهم لـ"عمرو موسى" أو "أحمد شفيق"، ثم يشفع طلبه بعبارة رقيقة "إن نسيتم شهداء القديسين نحن لن ننساهم".

هكذا في جملة واحدة يصنع من يوجه هذه الرسالة من الأقباط كتلة واحدة بصوت واحد، ورأي واحد، تتحرك بمحرك خارجي، سواء كان توجيهًا كنسيًا أو نداءًا إنسانيًا، متجاهلين تنوعها، ومتجاهلين أن الخطر الحقيقي هو الإصرار على النظر للأقباط ككتلة صماء موجهة كالإخوان والسلفيين، متناسين أنهم فقط مصريون يدينون بالدين المسيحي لا أكثر، يؤيدون الدولة المدنية لأنها الضامن للحريات والحقوق، يبحثون عنها في أي مرشح ينادي بها، ولن تكون اختياراتهم طائفية أبدًا بحيث يُقال لهم من يختار غير المسيحي فتلك خطية، أو أن اختيار غير المسيحي هو خروج عن الملة، لا تمارسوا الإسقاط أرجوكم، وانظروا إلى الأقباط كبشر عاديين لا ككائنات فضائية لا تفكر، أو يحركها أصحاب المصالح.

والأقباط- لمن لا يعلم ـ هم جزء من التشكيل والتكوين المصري، ففيهم ككل المصريين ثوار، وفلول، وحزب كنبة، وفيهم من هو غير مهتم أصلاً، وبالتالي فيهم من سيختار ممثلي الثورة، ومنهم من سيختار الفلول، ومنهم من هم في أحزاب سياسية بالفعل، وبالتالي ستذهب أصواتهم لمن ستدعمه تلك الأحزاب، ومنهم أيضًا منْ سيقاطع، منهم من هو مع الثورة ومنهم من هو ضدها، منهم من هو ثوري ومغامر بطبعه ومنهم من يبحث عن استقرار هادىء ولا يريد لأي شىء حوله أن يتغير.. هم طبيعيون جدًا كما ترون، ولا يحتاجون أبدًا لتلك النداءات التي تفترض فرضًا مهينًا أنهم مغيبون، وأن هناك من يتلاعب بأصواتهم ويحركهم بخيوط شفافة وفق حسابات أو مصالح لا يدركونها.

وإن كانت الانتخابات بالنسبة لكثيرين هي بين ثوار وفلول، فبالنسبة لكثيرين أيضًا- ومنهم الأقباط- هي بين فلول وثوار وإسلاميين يريدون تغيير هوية الدولة وفق رؤيتهم الخاصة، وبالنسبة للأقباط سيظل لهم مرشح دائم مهما تنوعت التقسيمات وتعددت هو الدولة المدنية، فالصراع صراع هوية في المقام الأول لا صراع ثوري، فالثورة ليست هدفًا في حد ذاتها، إنما الهدف هو دولة مدنية عادلة تساوي بين الجميع.

وأتعجب من هؤلاء الذين يتهمون الأقباط بخيانة الثورة التي قامت من أجل دولة مدنية ثم يدعمون هم أنفسهم من يعدوهم بدولة دينية، وفي هذا "بارادوكس" أو تناقض ضمني، حيث تشمل الدعوة المعنى وعكسه في نفس الوقت، وهذا لا يعني أبدًا إقصاء الإسلاميين، لكن يعني حرفيًا أن مشروعهم يتعارض مع مشروع الدولة المدنية الذي يدعمه مصريون كثيرون ومنهم الأقباط، أما ما أرفضه في الإسلاميين، وهذا حق لي، هو تغيير هوية الدولة، وسحبها إلى منطقة اللا عودة، والصراع على الهوية هنا هو صراع مصير، وهدفه على المدى الأطول هو منع الإقصاء؛ لأن الجميع يعرف أن الدولة الدينية ستكون المناخ الخصب لممارسة الإقصاء وفرض سطوة الأغلبية، وأنا هنا أتكلم عن سلوك استقوائي طبيعي سيقع فيه من سيشعرون بالغلبة والنصرة، تسندهم فكرة أنهم يطبقون مشيئة وشريعة الله، مما سيعفيهم من أي إحساس بالذنب تجاه من يرونهم في معسكر الكفر. أما الدولة المدنية فلا "آخر" في قاموسها، حيث كل المواطنين سواء، والآخر في مفهوم الدولة المدنية قد يكون من بلد آخر لا من عقيدة أخرى.

سؤال أخير أوجهه إلى من يلوم الأقباط مقدمًا لأنهم حسب رأيه سيكونون السبب في نجاح رموز النظام السابق في الانتخابات: لماذا يفوز "عمرو موسى" في أغلب استطلاعات الرأي بمركز متقدم؟ هل بسبب الأقباط؟ أم بسبب الأغلبية المسلمة في عينات البحث العشوائية؟ إذًا قبل لوم الأقباط أو تأنيبهم من باب أولى ننظر داخل بيوتنا، فقد يكون أهلنا الذين في المنازل هم الداعمون الأكثر للفلول.

أما بخصوص شهداء القديسين، ومن قبلهم ومن بعدهم شهداء كثيرين، فالأقباط لم ينسوهم، بل نساهم المجتمع بأكمله، وهؤلاء الذين يزايدون على الأقباط في موسم الانتخابات لم يطالب أحد منهم أو يضغط لإعادة فتح ملف القضية التي نامت أو ماتت، لا فرق!.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter