تقرير- جرجس وهيب
كان حكم محكمة جنايات "المنيا"، التي انعقدت بمجمع محاكم "بني سويف" برئاسة المستشار "عبد الفتاح أحمد محمد"، بمعاقبة 12 قبطيًا بالسجن المؤبد ومصادرة جميع الأسلحة وبراءة المتهمين المسلمين الثمانية من جميع التهم، صدمة أذهلت الجميع، ومفاجأة كبيرة وغير متوقعة من قبل المحامين والمتابعين لسير قضية أحداث "أبو قرقاص" الطائفية..
"الأقباط متحدون" تستعرض جميع جلسات المحاكمة التي تم نقلها لمحافظة "بني سويف" لأسباب أمنية، بناء على قرار وزير العدل؛ في محاولة ليعرف الجميع جزءًا من حقيقة ما جرى في هذه القضية.
بدأت أولى جلسات المحاكمة في 16 يوليو عام 2011 بمجمع محاكم "بني سويف"، وسط إجراءات أمنية لم تشهدها المحافظة من قبل، شاركت فيها أعداد كبيرة من رجال الشرطة المدنية والعسكرية، وطالب فيها دفاع المتهمين الأقباط بمناقشة وسماع أقوال الرائد "حمدي رفعت"- رئيس مباحث مركز شرطة "أبوقرقاص"-، والنقيب "محمد محسن"- معاون المباحث-، والعقيد "عز الدين حسن"- قائد القوة العسكرية بالمنيا-، واللواء "مصطفى زكي أحمد"- وكيل عمليات الإدارة العامة للأمن المركزي-؛ لتأكيد أن المتهم الأول لم يغادر منزله منذ وصوله وحتى القبض عليه، ولتكذيب أقوال الشهود، وبطلان التحريات، وسماع شهادة د. "محمد عبد الحميد"- مدير الطب الشرعي- في إصابات المجني عليهما "معبد أبو زيد" و"علي عبد القادر"، وضم دفاتر أحوال مركز شرطة "أبوقرقاص" من يومي 18 و19 أبريل الماضي"، وضم أوراق العلاج الخاصة بالمجني عليه "أحمد حسن كامل".
بدأت وقائع الجلسة بالتأكد من تواجد جميع المتهمين باستثناء اثنين هاربين، وتم وضعهم جميعًا في القفص، ووجهت النيابة للمتهمين تهمة التجمهر، والإضرار بالسلم العام، وإحداث فتنة طائفية، والاعتداء على المسلمين بالقوة بالقرب من الجمعية الشرعية بـ"أبو قرقاص"، وأنكروا التهم المنسوبة إليهم، ووجهت المحكمة للمتهم الثالث التجمهر مع أكثر من 5 أشخاص مجهولين بالإضرار بالسلم العام، وإحداث فتنة طائفية، والاعتداء علي المسلمين باستخدام القوة والعنف حاملين أسلحة نارية، ووقع تنفيذها بغرض التجمهر، وقتلوا كل من "وحيد أبو زيد" و"علي عبد القادر"، وبيتوا النية على قتل المسلمين بجوار الجمعية الشرعية، بعد شائعة بأن المسلمين قاموا بالاعتداء على منازل المسيحيين انتقامًا للتعدي على سائق من المسلمين، والاعتداء علي مساكن المسلمين.
كما انفرد المتهمان الثالث والرابع بالمجني عليهم قاصدين قتلهم، وأحدثوا إصابات تم إقرارها من خلال الطب الشرعي، وتم ضبط أدوات بحوزتهم لغرض الإرهاب، وشرع المتهمون في قتل المجني عليهما "محمد جمال حليم" و"مصطفى جمعة محمد"، وقاموا بقتل المسلمين بجوار الجمعية الشرعية بـ"المنيا" بعد شائعة اعتداء المسلمين على المسيحيين؛ انتقامًا للتعدي على أحد السائقين المسلمين ومساكنهم بالجمعية الشرعية.
ووجهت النيابة للمتهم الخامس والسادس إطلاق أعيرة نارية قاصدين قتلهم وإحداث إصابات، وتم ضبط أسلحة بحوزتهم بغرض الإرهاب، وإحراز سلاح دون ترخيص، خرطوش ومسدس تم أحرازهما بدون ترخيص، إلى جانب ذخائر ثابتة في النيابة، واستعمالها في نشاط مخل بالأمن العام، واستخدموا القوة في قتل "أحمد رجب كامل"، وبث الرعب في نفوس المسلمين، وإحداث الرعب، وأن الأحداث وقعت مع علمهم، وإنهم قاموا بقتل المجني عليه مع سبق الإصرار والترصد، وقتل المسلمين المارين أمام مساكنهم بعد أن ظفروا بهما، وأطلقوا عليهما أسلحة نارية، والإصابة موصوفة بالطب الشرعي، وإنهم حازوا أسلحة واستعملوها في نشاط يخل بالأمن العام.
ووجهت المحكمة للمتهمين من الثالث عشر إلى الأخير (المسلمين) تهمة التجمهر، وعددهم 15 شخصًا، والإضرار بالسلم العام، وإحداث فتنة طائفية، والإضرار بالوحدة الوطنية، والاعتداء على المسيحيين بـ"أبو قرقاص"، وإشعال النار، وآخرون في المباني، وأحرقوا مفروشات "فانوس نادي"، و"عبد الله ميخائيل"، و"صفوت كامل حبيب"، وأشعلوا النيران، وأحرزوا أسلحة بيضاء، وسكينة، وخنجر، وعصا، وقطع حديديه ليس لها مبرر قانوني، وحاز المتهم الرابع سيفًا بدون ترخيص، وطالبت النيابة بتوقيع أقصى العقوبة على المتهمين، وتم تأجيل القضية إلى 15 أكتوبر.
وفي جلسة 15 أكتوبر عام 2011، استمعت المحكمة لأقوال اللواء "مصطفى زكي أحمد"- وكيل عمليات الإدارة العامة للأمن المركزي بـ"المنيا"- الذي أشار في أقواله إلى أنه تم استدعائه من قبل مدير أمن "المنيا" على رأس قوات أمنية، بعد وقوع الأحداث الطائفية بـ"أبوقرقاص" بساعة، ووصل إلى "أبو قرقاص" الساعة الواحدة والنصف صباح يوم 19 أكتوبر؛ لمنع حدوث اشتباكات جديدة بين المسلمين والمسيحيين، وتم وضع تشكيل كامل من عساكر الأمن المركزي على منزل المتهم "علاء رشدي" فور الوصول، وتم إغلاق الشارع تمامًا لمنع حدوث اشتباكات، ومنع الدخول والخروج إلا بعد التحقق من شخصيته، ولم يغادر المتهم الأول "علاء رشدي" منزله لمدة ثلاثة أيام.
وناقش محامي المتهم الأول "علاء رشدي" الشاهد، ووجه له عددًا من الأسئلة، وأكَّد الشاهد أن المتهم الأول كان متواجدًا بالفيلا طوال الأيام الثلاثة وحتى تم القبض عليه، وأن الفيلا كانت عليها حراسة أمنية من جميع مداخلها، ولم يكن أمامها أية مظاهرات أو تجمعات. وأضاف: "إن أي توتوك أو ميكروباص كان يمر من الشارع كان يتم تفتيشه، وأن المسافة بين منزل علاء رشدي والجمعية الشرعية حوالي كيلو متر مربع، وأنه لم يكن هناك مطب صناعي بل بقايا مطب، وأن المسلمين أمسكوا اثنين من المسيحيين واتهموهم بالاختباء بالزراعات وحيازة سلاح، وتم تسلمهم من المسلمين، وتم تحرير محضر بذلك، وحرر المسيحيون محضرًا ضد المسلمين بتهمة الاعتداء عليهم، ولم يكن بحوزتهم أي أسلحة، ولم يحدث اعتداء على المسلمين أثناء الجنازة من قبل مسيحيين، ثم تم تأجيلها إلى 19 نوفمبر عام 2011، مع استمرار حبس المتهمين.
وفي جلسة 19 نوفمبر عام 2011، قرَّر المستشار "محمد عصمت"- المنتدب لرئاسة جلسة المحكمة بسبب غياب رئيس المحكمة المستشار "عبد الفتاح أحمد محمد الصغير"- تأجيلها إلى 22 نوفمبر لسماع باقي الشهود. وفي جلسة 22 نوفمبر عام 2011 لم تستغرق الجلسة أكثر من 10 دقائق، وقرَّر المستشار "عبد الفتاح أحمد محمد الصغير" تأجيل القضية إلى 17 ديسمبر بسبب تغيب الشهود، وهما مدير الطب الشرعي والرائد "حمدي رفعت" رئيس مباحث "أبو قرقاص"، وحدوث مشادة بين محامي الطرفين بسبب طلب دفاع المتهم الأول "علاء رشدي" بالإفراج عنه نظرًا لظروفه الصحية، حيث أن محام المتهمين المسلمين رفض الإفراج عنه، فنشبت مشادة كلامية بين الطرفين.
وفي جلسة 17 ديسمبر عام 2011، استمعت المحكمة إلى أقوال النقيب "محمد حمدي"- معاون مباحث "أبو قرقاص"- والتي أشار خلالها إلى أنه كُلف بضبط بعض المسلمين الذين قاموا بإشعال النيران في عدد من منازل الأقباط، وتم ضبط 8 أفراد وبحوزتهم بعض الشوم والحديد والأسلحة.
ورفضت المحكمة سماع شهادة الطبيب الشرعي الذي حضر الجلسة، وقامت بتأجيل القضية عقب سماع شهود الإثبات جميعًا، بينما تغيب النقيب "حمدي رفعت"- رئيس مباحث "أبو قرقاص"- للجلسة الثالثة على التوالي، رغم استدعائه للشهادة في القضية. وقد اتهم محام المتهمين الأقباط رئيس المباحث بتعمد التغيب عن الشهادة لتعطيل سير القضية.
وتم تأجيل القضية إلى اليوم الأول من أول يوم من دور شهر فبراير 2012، وفي جلسة 18 فبراير عام 2012، استمعت المحكمة لأقوال الرائد "حمدي رفعت"- رئيس مباحث مركز "أبو قرقاص"- بعد تغيبه ثلاث جلسات سابقة، وأشار إلى أنه تلقى اتصالاً تليفونيًا من "سويتش" مركز شرطة "أبو قرقاص" حوالي الساعة التاسعة مساء يوم 18 أبريل الماضي بوقوع مشاجرة بـ"أبوقرقاص البلد"، وتوجه إلى هناك وقابل المتهم الأول "علاء رشدي"، وطالبه بتهدئة الأمور، وعندما سأله عن مدير الأمن قال إنه عند معشر المسلمين، وهو لا يأتي إليهم لأنهم "كفار"، وعندما توجه إلى الجمعية الشرعية وصل في نفس الوقت عدد كبير من القيادات الأمنية والجيش، وكان هناك تجمع من عدد كبير من المسلمين، ودلت التحريات أن هناك سائق سيارة ميكروباص مسلم فرمل عند المطب الصناعي الموجود أمام منزل "علاء رشدي" فارتطم به توتوك مملوك لصالح مواطن مسيحي، ونشبت مشاجرة بين الطرفين، وقال السائق المسلم: إن المسيحيين اعتدوا عليه، واستنجد المسلم بالمسلمين، وحدث نوع من الهرج، وتم إطلاق أعيرة نارية لم يتسن معرفة من أطلقها، ولكنها كانت من ناحية بيوت المسيحيين المواجهة للجمعية الشرعية، وأن مجموعة من المسلمين قامت بحرق عدد من بيوت المسيحيين.
ووجه عدد من المحامين الأقباط عدد من الأسئلة، وكانت أغلب إجابات الشاهد "لا أعرف" و"مش متذكر"، وشكك المحامون في رواية الشاهد، حيث كان هناك تناقض بين المحضر الذي حرره بعد الأحداث وبين ما قاله وبين رواية سائق الميكروباص ورواية رئيس المباحث، وكان رد الشاهد بأن الموضوع مر عليه عام ولا يتذكر الأحداث بالضبط، وأن التحريات هي التي دلت على ذلك، وأنه لم ير من أطلقوا النار على المسلمين، ولكنه كان من ناحية منازل المسيحيين. ورفض الشاهد تحديد المسافة بين منازل المسيحيين والجمعية الشرعية، قائلاً إنه ليس مهندس مساحة، وتعجب أحد المحامين الأقباط من وجود فوارغ الرصاص أمام منازل الأقباط، على الرغم من الإدعاء بأنهم هم من أطلقوا الرصاص.
ورفض القاضي توجيه سؤال للشاهد حول لماذا لم يقم بتحرير محضر بحرق الكافتريتين الخاصتين بالمتهم الأول "علاء رشدي"، رغم إصرار المحامين والمتهم الأول "علاء رشدي" على هذا السؤال، مما دفع المتهم الأول إلى الصراخ من داخل محبسه أنه تحول من مجني عليه حُرقت الكافتريتين الخاصتين به إلى متهم، وكان دفاع المتهمين الأقباط قد طالب بإرسال أحراز الرصاص المستخدم وعرض السيف المحرز للمتهم "عادل عبد الله" على المعمل الجنائي، واستكتاب العقيد "عز الدين حسين"- قائد القوة العسكرية-، والطعن بالتزوير على محضر شرطة "أبو قرقاص" بتاريخ 19 أبريل الماضي. وقرر رئيس المحكمة تأجيل القضية لجلسة 17 مارس القادم لسماع شهادة مدير الطب الشرعي وشهود النفي.
وفي جلسة 17 مارس عام 2012، رفضت المحكمة بانتداب خبير لمعاينة مكان الجمعية الشرعية بـ"أبو قرقاص"، تكون مهمته تحديد مدى قرب أو مطلة منازل المتهمين "جمال فؤاد ملك" و"صفوت كامل صليب" و"عبد لله ميخائيل" من الجمعية، وهل هذه العقارات تكمن في مواجهة الجمعية أو ملاصقة لها؟ مع تحديد مسافة كل عقار من العقارات المذكور سالفًا عن الجمعية الشرعية، وتحديده بالمتر الطولي، ومدى إمكانية إطلاق أعيرة نارية وإصابة المتواجدين إمامها، واستمعت إلى شهادة الدكتور "محمد عبد الحميد"- مدير الطب الشرعي بـ"أبو قرقاص"- والذي لم يقدم معلومات تحسم كثيرًا من الأمور العالقة، وأشار ردًا على أسئلة محام المتهمين المسيحيين عن الصفة التشريحية للمجني عليهما "معبد أبو زيد" و"علي عبد القادر"، وعقب شهادة الطب البشري عقّب أحد محامي الطرف المسيحي على شهادة مدير الطب الشرعي بقوله لرئيس المحكمة: إن أهل الخبرة (رئيس مباحث أبو قرقاص ومدير الطب الشرعي) جعلونا مثل الذي رقص على السلم، بسبب إجابتهم غير المحددة، وتم تأجيل المحاكمة إلى يوم 17 أبريل لسماع المرافعة.
وفي جلسة 17 أبريل عام 2012، ترافعت النيابة في بداية الجلسة، بعد رفض رئيس المحكمة طلب محام المتهمين الأقباط بإلغاء محاكمة المتهمين أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بعد إلغاء قانون الطوارئ، وإعادة محاكمتهم أمام محكمة جنايات عادية. وأشار محام المتهمين المسيحيين إلى أن الهدف من القضية أساسًا هو هدف سياسي، وهو تدمير المتهم الأول "علاء رشدي"، وأنه يدفع ضريبة عمله بالسياسة من جانب أحد خصومه، الذي كان يشغل رئيس لجنة الأمن القومي بمجلس الشعب، وأن "علاء رشدي" كان موجودًا بسراي محكمة "عابدين" وحي غرب القاهرة أثناء اشتعال الأحداث بـ"أبوقرقاص"، وأن رئيس مباحث "أبو قرقاص" هو من قام بهذا الدور، وهو الذي أشعل الفتنة بـ"أبوقرقاص".
وشن محامو المتهمين المسيحيين هجومًا عنيفًا على رئيس المباحث، وشككوا في شهادته وشهادة بعض الشهود وتقرير الطب الشرعي، ودفعوا ببطلان التحريات ومحاضر جمع الاستدلالات، وأن الإجراءات أصابها العور وعدم المعقولية في سير الأحداث، وأن شهادة رئيس المباحث مجروحة، واستحالة حدوث الوقائع بهذا الشكل، وشيوع الاتهام والتناقض في الأوراق.
ورغم كل هذه الدفوع، كان الحكم السابق للمحكمة، وقد يرجع ذلك لإحداث نوع من التوازن المجحف في "أبو قرقاص"، بالإضافة إلى توصيف النيابة للتهم، وشهادة رئيس مباحث "أبو قرقاص" ومدير الطب الشرعي، ورفض معظم طلبات محامي الطرف المسيحي.. وهل التهم الموجهة للمتهمين المسلمين، وهي: التجمهر، والإضرار بالسلم العام، وإحداث فتنة طائفية، والإضرار بالوحدة الوطنية، والاعتداء على المسيحيين بـ"أبو قرقاص"، وإشعال النار في المباني، وإحراق مفروشات "فانوس نادي" و"عبد الله ميخائيل" و"صفوت كامل حبيب"، وحيازة أسلحة بيضاء، وسكينة، وخنجر، وعصا، وقطع حديدية، وسيف، لا تستدعي يومًا واحدًا؟؟؟.