بقلم: يوسف سيدهم
أكتب اليوم عن لبنان بعد مرور وقت كاف علي كارثة انفجار ميناء بيروت, لذلك لن أتطرق لتفاصيل الحدث وأهواله وتداعياته, لكني أقف مهموما بأمر لبنان الشعب والوطن والدولة, وقد يقول متشائم يرقب هذا البلد الشقيق: أين هو لبنان الدولة؟… إن الشعب موجود مبعثر حائر مغلوب علي أمره ولا حول له ولا قوة سوي الانغماس في مظاهرات الغضب والقهر ورفض الواقع وطلب التغيير الشامل, والوطن موجود في الأرض والتاريخ والانتماء لكنه مختطف ممزق تائه بين من لا هم لهم سوي تحويله إلي كعكة يقومون بتقسيمها إلي شرائح فيما بينهم وياليتهم يرتضون كل بنصيبه منها, لكنهم في الواقع ومنذ نحو نصف قرن لا يتوقفون عن العراك لإعادة تقطيع الكعكة وإعادة توزيع الأنصبة… أدواتهم في ذلك المذهبية والطائفية ومناطق النفوذ العائلية والتقاسيم الجغرافية والميليشيات العسكرية… وهل يبقي بعد ذلك وطن؟!!!… وأعود إلي السؤال السابق: في ظل سيادة هذا الواقع المؤلم أين هو لبنان الدولة؟
الإجابة يقدمها الشعب اللبناني الذي نزل الشارع في احتجاجات 17 أكتوبر الماضي ثائرا علي استفحال الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية, وظل يطالب بالتغيير ولا يستطيع أن يدركه أمام صلف وعناد أقطاب التركيبات الجاثمة علي صدر لبنان والمستحوذة علي الكعكة… حتي جاءت كارثة الميناء لتزيد من إصراره وعناده علي تحطيم سائر ثوابت الواقع وإعادة تشكيل البيت من جديد… وارتفعت أصوات هذا الشعب تدين الكل وتلعن الكل وتطالب بمحاسبة الكل… لكن كيف يتم ذلك بواسطة شعب أعزل لا يملك سوي الصراخ والقهر حتي أنه من فرط عجزه وقلة حيلته كتب عريضة وقعها نحو 60ألف لبناني تطالب بعودة الانتداب الفرنسي علي لبنان لإنقاذه مما آل إليه واقعه والعمل علي إعادة صياغة شكل الدولة المدنية الحديثة التي تظلل الوطن اللبناني ويقف تحتها جميع اللبنانيين يجمعهم معيار واحد وحيد هو المواطنة.
ولمن لا يعرف لبنان وتاريخه يتوجب لفت نظره إلي أنه منذ استقلاله عام 1943 عن الانتداب الفرنسي ظل مرتبطا جدا بفرنسا يربطهما رباط متين من العلاقات الاقتصادية والثقافية والتعليمية والخدمية كان ويظل بمثابة حبل سري بين الأم وطفلها… لذلك لم يكن عجيبا أن يستنجد الشعب اللبناني في عنفوان نكبته بفرنسا لإنقاذه… والحقيقة أن فرنسا لم تتأخر عن تلبية طلب النجدة وهرعت لمد يد العون علي المستوي الفوري بتنظيم وحشد الدعم الدولي للإغاثة وإعادة الإعمار وعلي المستوي المستقبلي بقبول رعاية عملية إعادة تشكيل المستقبل السياسي للبنان… وهذه عملية معقدة لم تتضح معالمها بعد لكن وجود فرنسا يضمن علي الأقل بسط مظلة سياسية تمهد الطريق لتحقيق أماني الشعب اللبناني في صياغة معالم دولة وطنية غير طائفية, علاوة علي بسط مظلة عسكرية -برعاية دول حلف شمال الأطلنطي- للحيلولة دون انقضاض أية قوي طامعة في لبنان قد تستغل حالة الفراغ السياسي الذي قد ينشأ عن تغيير شكل السلطات وتجميع قطع الكعكة المبعثرة بينهم لإعادة الكعكة كاملة إلي الشعب اللبناني… الرئيس الفرنسي ماكرون تحدث إبان زيارته المهمة لبيروت صبيحة يوم الانفجار الرهيب عن أن لبنان دخل منعطفا جديدا وأن أزمته السياسية لن تحل إلا بتغيير حقيقي يرسي ميثاقا سياسيا جديدا… وأتساءل: ماذا يعني تعبير ميثاق سياسي جديد؟… وأتصور أننا نقف أمام حاجة أصبحت ملحة وحتمية لأن يجلس اللبنانيون ليكتبوا دستورا جديدا للوطن اللبناني عماده المواطنة عوضا عن المحاصصة… دستور يتساوي أمامه جميع اللبنانيين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن القبلية والعائلية والطائفية والمذهبية… دستور لدولة مركزية واحدة لها علم واحد وجيش واحد وانتماء واحد وولاء واحد… دستور تنسحب أمامه جميع أشكال التبعيات والتقسيمات.
أتمني من كل قلبي أن يكون ما يمر به لبنان الشقيق وشعبه الحبيب هو حالة مخاض يتألم ويعاني فيها من أجل أن يولد لبنان جديد عفي… حالة جمع الشتات في وطن واحد.