محمد طه
فى 2019، تم نشر دراسة نفسية مهمة جدا فى مجلة التحليل الجمعى البريطانية Group Analysis، عن بعض الجوانب النفسية للجماعات الإرهابية..
الدراسة استعرضت بدرجة عميقة من التحليل النفسى بعض الصفات المشتركة بين عدد من الجماعات الإرهابية..
وفى الحقيقة، الصفات والخصائص دى كانت دقيقة إلى حد مذهل.. وهى كالتالى:
• تراجع نفسى مزمن Chronic Regression: بمعنى إن التركيب الاجتماعى الداخلى لهذه الجماعات بياخد شكل بدائى، بيقسموا نفسهم تقسيمات أشبه بالقبائل.. وعلى رأس كل قبيلة زعيم/ قائد/ أمير.. ولكل قبيلة علم أو راية خاصة.. ويبدو إنهم بيعملوا كده علشان يختلفوا ويتميزوا (من وجهة نظرهم) عن الشكل الاجتماعى المعتاد خارجهم من ناحية، وعلشان يحاولوا احياء سنن الأولين خاصتهم من ناحية أخرى.
• تجنيد الأطفال Recruitment of Children: الجماعات الإرهابية على اختلافها بتشترك فى الاهتمام الشديد بتلقين الأطفال مبادءهم، وتعليمهم معتقداتهم، وتنشئتهم بطريقة تضمن انقيادهم وولاءهم وعدم خروجهم أو حيدهم عن خط الدم المرسوم ليهم مسبقا.
• علاقات مضطربة مع المجتمع Abnormal Relations with Society: الجماعات الإرهابية بتتحوصل حول نفسها، وتنفصل عن المجتمع الخارجى تماما.. بيعملوا «أُسر» ويطلقوا عليها أسماء تراثية،، بيكونوا «عائلات» مغلقة عليهم دون غيرهم، بيتجوزوا من بعض، بيدينوا بالولاء التام لبعض.. ومش بس بيعيشوا فى حالة انفصال.. لأ.. هما بيعيشوا فى حالة عداوة مع المجتمع خارجهم.. هما بيتصوروا ان قيمهم هى القيم الصحيحة، وقيم المجتمع قيم فاسدة، وأخلاقهم هى الأخلاق القويمة، فى حين أن باقى المجتمع بلا أخلاق، وفهمهم لدينهم هو الفهم الحقيقى، لكن المجتمع لا يعرف ولا يفهم ولا يطبق دينه كما يجب. ومن ملامح هذه العلاقة المضطربة مع المجتمع، استخدام السلاح، واطلاق الشائعات، وقطع أى جسور للثقة بين تابعيهم والمجتمع من ناحية، وبين المجتمع نفسه ومؤسساته المختلفة من ناحية أخرى.
• احتكار استخدام العنف Expropriation of the Monopoly on Violence: الجماعات والمجموعات الإرهابية بتعطى نفسها الحق فى فى استخدام العنف، وتجد لنفسها الأسباب والدوافع اللى تبرر ليها هذا الاستخدام. وفى نفس الوقت، هى بتصادر على حق المجتمعات والدول فى استخدام العنف المضاد، للمقاومة والدفاع وإرساء القانون. وتقوم بإسقاط نفسى Projection لصفاتها وأفعالها هى نفسها على تلك المجتمعات والدول، فتصف مجتمعاتها بأنها فاسدة، وتصف دولها بأنها إرهابية، رغم إنها ــ هذه الجماعات ــ هى الفاسدة وهى الإرهابية.
• أحلام استعادة البطولات والأمجاد Heroic Aspirations to Glory: تشترك كل الجماعات الإرهابية فى رغبتها وتطلعها لتحقيق حلم قديم، أو استعادة مجد سابق، أواعادة إحياء إمبراطورية منتهية منهارة. وطريقها الوحيد إلى ذلك هو إبادة المجتمعات، وتهديد استقرار الحكومات، وتفكيك المؤسسات والدول.
الدراسة كشفت أيضا عن أن التفاعلات والمعاملات النفسية بين أفراد وأعضاء المجموعات الإرهابية بتكون مبنية على ثلاث ميكانيزمات جماعية معروفة فى علم نفس المجموعات باسم (الفروض الأساسية) Basic Assumptions:
• الاعتمادية Dependency: بمعنى ضرورة السمع والطاعة، وعدم النقاش أو الجدال أو المراجعة.
• الاقتران Pairing: بمعنى السعى المحموم، والانتظار الدائم لوهم كبير، وحلم غير منطقى، تتصور المجموعة الإرهابية أنه النصر العظيم، والخلاص المنتظر.
• الكر والفر Fight and Flight: اعتقاد المجموعة/الجماعة/التنظيم أنها الفئة الوحيدة الناجية، والصائبة، والقويمة، وكل ما هو خارجها أو عداها على خطأ، وعلى سوء. وهو ما يخلق حالة دائمة من الكر والفر، والهجوم والهروب، والرغبة فى تدمير كل من لا ينتمى إلى المجموعة.
طبعا يمكنك بوضوح شديد رؤية كل هذه الجوانب النفسية، فى كل المجموعات الإرهابية المعروفة، بنظرة بسيطة متأملة.. وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك، أن الإرهاب واحد فى كل مكان.. أدواته واحدة.. أفكاره واحدة.. وحتى تركيبته النفسية واحدة..
سأجيب أخيرا عن السؤال المتكرر منذ بداية نشر مقالات هذه السلسلة: «تقصد إيه بالإرهاب يا دكتور؟» و«إيه هو تعريفك للإرهابى؟»..
الإرهاب له تعريف عالمى واحد: «الاستخدام المتعمد للعنف بواسطة منظمات غير قانونية، ضد المدنيين أو ضد أهداف مدنية، للوصول إلى أغراض سياسية». وينطبق هذا التعريف على الأفراد والجماعات التى تقوم بذلك.
الإرهاب مالهوش غير هدف واحد: ترويع الآمنين.
الإرهاب مالهوش غير دين واحد: اللادين.
الإرهاب مالهوش غير اسم واحد: إرهاب.
شكرا لمتابعتكم.. ونلقاكم فى سلسلة مقالات أخرى ان شاء الله.