بقلم: زهير دعيم
في غابة بعيدة تقع على أكتاف الجبال الشرقية ، عاشَ أسد هَرِمٌ يعتدّ بتاريخه ونسبه وماضيه ؛ عاش يسرح ويمرح في مملكته الواسعة الاطراف الى أن جاء يوم ، ظهر فيه نَمِر شابّ وحطَّ عصا ترحاله في أطراف هذه المملكة وهو يقول لكل السائلين : "هنا كان جدودي... هنا أكلوا وناموا وصلّوا!".
امتعضَ الأسد الهَرِم وعَقَدَ العزم على طرده ، فالمملكة ورِثها عن جدوده، ثمّ ماذا سيقول لسكّان مملكته ، وهم يروْن الآتي من بعيد يتحدّى مليكهم في عقر داره ؟.
غضب الأسد وزمجر ووثب على النمر الشابّ ، ودارت معركة حامية الوطيس ، اضطرّ فيها الأسد الى التراجع مجروح الجبين والكرامة وهو يتفُل دمًا ويقول : " تفو على الزمن ، هذا الزمن الذي جعلني هرِمًا .
سقى الله أيام الشباب يوم كنْتُ أصارع جيشًا من النمور!!".
ولم يجد الأسد بُدًّا من استرجاع كرامته إلّا بمنازلة النمر ثانية وثالثة ورابعة ، ولكن دون جدوى ، فافترقا واقتسما الغابة على مضَض ، والأسد يَعِدُ نفسه وأهله بأنه سيعيد حقَّه المسلوب ، وأنّ هذا اليوم الموعود قريب ، أمّا النمر فكان يرنو الى توسيع رُقعة مملكته .
وعلى أطراف الغابة الشّمالية ، وبين المملكتين المُتنافستين، عاشت الظبية الجميلة "حنان"المكحولة العينين ، اللطيفة المَعشر؛ عاشت مع صغيريها في أمانٍ وطُمأنينة ، تعمل بجِدٍّ ونشاط في سبيل إعالتهما، فتتركهما صباحًا خلف التلّة الخضراء يمرحان بين الزُّهور يلاحقان الفراشات المُلوّنة ، وتذهب تُفتّشُ عن الطعام .
وكثيرًا ما حذّرت الظبية صغيريْها من الأسد والنمر فهما شرسان ، واوصتهما بالانتباه لكلّ حركة تصدر عنهما .
ولم تكتفِ الظبية الأم بالتحذير ، بل بدأت تدرّبهما على الركض والعدْو فوق الصخور .
لم تعرف الظبية سبب انقباض قلبها في صباح هذا اليوم بالذات ، حين ودّعت ولديْها وأوصتهما بالحَذَر والحيْطة ، ولم تعرف لماذا بعد أن قطعت مسافة بعيدة ، عادت لتعانق ولديها وتضمّهما الى صدرها بحرارة .
ولكن ماذا تفعل والضرورة تُلزمها بالبحث عن لُقمة العيش، فأسلمت أمرها لله رافعة اليه عينيها مُتوسّلة .
مرَّ النهار أو كاد ، فعادت الظبية الى بيتها بشوقٍ تحمل الطعام وقلبها يخفق بشدّة ....ومِنْ بعيد وفي الجهة الجنوبية من وطنها الصغير الجميل , رأت ويا هوْل ما رأت ، رأت النمر والأسد العجوز يطاردان صغيريها ويُدنّسان كلَّ جمال انغرسَ هناك ...وما هي الا لحظات حتّى انقضَّ كل منهما على صغير ، وانطلق يعدو نحو مملكته ، فصعقتها الصدمة ، فانطرحت أرضًا وهي تغرق في البكاء ، وتنتحب بصوت عالٍ ردّدته وما زالت الوديان والتلال .