فيفيان سمير
على مسرح الجامعة جثى على ركبته امام بطلة العرض رافعا يده بخاتم الخطبة، خارجا عن النص، طالبا يدها، فى مشهد لم تكن لتحلم به يوما او يعبر بخيالها، احست بمزيج من السعادة الغامرة والخجل، ارتسمت على وجهها الطفولى الهادئ ابتسامة جميلة و اومأت برأسها موافقة، فضج المسرح بالتصفيق والهتاف والصفير، كاد قلبها ينخلع من مكانه لفرط سعادتها وحمرة الخجل تخفى ملامحها.
خرجت من المسرح عائدة لمنزلها، لا تكاد اقدامها تلمس ارض الطريق، ترتب فى رأسها الكلمات التى ستقولها لوالديها، كيف ستقنعهما بزميلها الذى سيتخرج بعد شهور ويريد خطبتها وهو مازال في بداية حياته.
اخذها التفكير والاستغراق فى مشاعرها المتضاربة بين الفرح والقلق والخوف من اعتراض والديها، وموقفها هى فى هذه الحالة، فلم تنتبه للسيارة المسرعة التى قذفت بها الى الجانب الاخر من الطريق.
افاقت بعد ساعات على صوت بكاء والدتها و كلمات والدها المواسية لها الشاكرة لنعمة الله عليهما بانها مازالت على قيد الحياة، حاولت استرجاع ما حدث، وكان اخر ما تتذكر صوت فرامل قوية، ارادت ان تتكلم لكن وجهها كله ملفوف بالضمادات، بصعوبة نطقت لتسأل عن ما حدث، جاءتها الاجابة من خلال دموع والدتها المتدفقة حادثة بسيطة، لكن هذه الدموع تقول غير ذلك.
بعد ايام رفع الطبيب الضمادات وحمد الله على سلامتها، اليوم ستغادر المستشفى، قامت لتنظر وجهها فى المرآة وهالها ما رأت، ندبة بطول وجهها نعم هى ليست بجميلة ولكن الان هي ايضا مشوهة.
انهارت، لم تستطع الصمود امام كل هذا الحطام، احلامها تناثرت اشلاء، حياتها تتهاوى، المستقبل اظلم واغلقت كل نوافذ الحياة.
انهيار عصبى حاد، شهور من العلاج، عمليات تجميل اخفت جزء من الندبة فى وجهها، و لكن لم تخفى شيئا من ندبة النفس والروح، اعتزلت العالم، اصبحت سجينة غرفتها ودموعها.
هو حاول زيارتها مئات المرات، لكن الرفض هو الرد الذى لا يتغير حتي لاقرب صديقاتها، الي ان جاءت امتحانات اخر العام، وتجدد الامل فى ان يراها لكنه فوجئ بانها اعتذرت عن الامتحان لهذا العام، محاولات و محاولات بدون جدوي.
تخرج وبدأ حياته العملية باجتهاد وصورتها امامه فى كل حين يستمد منها العزم والارادة، عام كامل مضى وجاءت ايام الامتحانات، مع اول يوم كان يقف على باب لجنتها، والدها يرافقها الى داخل اللجنة وينتظرها ليصطحبها بعد الامتحان، هى تنظر الى الارض لا ترفع عينيها او تنظر حولها، ترتدى نظارة شمسية ضخمة تخفى جزءا كبيرا من وجهها.
تملكته عاصفة من الغضب لتكرار ذات الموقف كل ايام الامتحانات التي شارفت علي الانتهاء، قرر الا يستسلم، فانتظر دخولها لجنة الامتحان وطلب من والدها ان يتحدث معه لحين انتهائها .
انهت امتحانها وخرجت تبحث عن والدها، بدلا منه كان يقف من يحمل باقة ضخمة من الزهور، حاولت تفاديه والهروب الى والدها، لكنه لم يسمح لها بل امسك ذراعها بقوة وجذبها اليه ليرفع النظارة التي تختبئ خلفها
يا ساكنة الروح لا تغيب
عن ناظرى فتميل شمسى للمغيب
بل اشرقى للجروح تطيب
و عانقي فجرى العاشق لندى الحبيب
من عينيك يشرق نهارى يطيب
يغرقنى نورك يزيح عنى ليللى الكئيب
بنظرة تحينى دهرا رحيب
تبددى حدود الزمان و المكان و الغيب
يا فاتنة الهوى اجيب
لماذا اذقتينى كل اللوان التعذيب
هل مازلت ببابك غريب
ام يحلو لهاتين العينين ان لقلبي تذيب
يا واشمة الروح بكل الجروح لا ارى بوجهك الا حبيبى
اليوم يحتفلان بعيد زواجهما الخمسين و مازالت له الحبيبة ذات الوجه الطفولى البرئ إن غابت اظلمت دنياه و بجوارها تبتسم الحياة