بقلم – روماني صبري
لم تستطع تركيا إخفاء فضيحة هزيمة الجيش العثماني على يد الجيش المصري بتجاهلها، فرغم مرور الكثير من السنوات، إلا أن العالم يدرك جيدا ذلك اليوم، حين وقف الجنود المصريين على "أبواب اسطنبول"، عام 1839 تحت قيادة إبراهيم باشا نجل "محمد علي"، وكان الرجل يصرخ في وجوههم قائلا :" كونوا على أهبة الاستعداد لتدمير "مدينة اسطنبول"، بينما السلطان محمود الثاني راقدا في فراشه حزينا مكتئبا يعاني مرارة الخسارة والمرض بقصر "طوب قابي"، جاء ذلك، بعدما أمر السلطان العثماني جيشه، بغزو أراضي الشام، التي كانت وقتها تحت سيطرة إبراهيم باشا قائد الجيش المصري، وجراء تحرك الجيش العثماني، قاد الأخير الجيش المصري وزحف به إلى الأناضول، لتندلع الحرب، وبسبب عبقريته العسكرية، أذل إبراهيم باشا الجيش العثماني، وكبده خسائر فادحة في صفوفه، ليدفع بالإمبراطورية العثمانية صوب الانهيار.
هدف الحملة
في ذلك اليوم الذي يبعث تذكره الفرح والغبطة بالمصريين، كونه يزيد من افتخارهم بجيشهم المصري، سكن الخوف أهالي اسطنبول، وقبل ذلك اليوم في أكتوبر عام 1831 ، قرر محمد علي باشا والي مصر، إطلاق حملة عسكرية يقودها نجله إبراهيم باشا، وكان الهدف منها إنقاذ سكان بلاد الشام من العثمانيين.
أوثر الموت الشريف على احتمال الذل
كانت الدول الغربية تقف في صف الدولة العثمانية وقتها، رغم جرائمها في حق الأبرياء، وتخشى من قوة الجيش المصري، وهو ما أزعج محمد علي والذي أعلن أنهم يريدون سلبه حقوقه إرضاء للعثمان، وجراء ذلك بعث خطابا إلى "الأميرال روسان" سفير فرنسا في الآستانة بتاريخ 8 مارس سنة 1833 ، جاء نصه :
تلقيت رسالتكم المؤرخة 22 فبراير التي تسلمتها من ياوركم والتي تعترضون فيها على وتعلنوني بأن لاحق لي في المطالبة بما عدا بلاد "عكا" و"القدس" و"نابلس" و"طرابلس الشام"، وأن الواجب علي أن أسحب جيشي فورا، وتنذروني بأني في حالة الرفض استهدف لأخطر العواقب، وقد أضاف ياوركم شفويا بناءا على تعليماتي بأني إذا بقيت متمسكاً بمطالبي فسيجئ الأسطول الإنجليزي والروسي إلى سواحل مصر، على أني يا جناب السفير أتساءل بأي حق تطلبون مني هذه التضحية؟ إن أمتي بأجمعها تؤيدني في موقفي، وأن في إستطاعي بكلمة مني أن أحرض شعوب "الرومللي" و"الاناوضل" على الثورة فيلبو ندائي، ويمكنني بتأييد أمتي أن أفعل أكثر من ذلك، لقد امتدت سيطرتي على أقطار عدة، والنصر حليفي في كل الميادين، ومع أن الرأي العام يؤيدي في إمتلاك سورية بأكملها فاني قد وقفت زحف جنودي رغبة مني في حقن الدماء ولكي يتسع الوقت أمامي لأتعرف ميول الدولة الأوروبية.
ومقابل هذا الإعتدال وحسن النية وتلك التضحيات العديدة التي بذلتها أُمتي، والتي نلت الإنتصارات الباهرة بفضلها وبفضل تأييدها لي، تطلبون مني أن أتخلى عن البلاد التي فتحتها وأن أنسحب بجنودي إلى منطقة صغيرة تسمونها ولاية! أليس في هذا حكم علي بالإعدام السياسي؟ على أن لي ملء الثقة ألا تأبى فرنسا وإنجلترا الاعتراف بحقوقي ومعاملتي بالانصاف فان ذلك مرتبط بشرفها، وإذا خاب أملي فليس أمامي الا أن أذعن لقضاء الله، وهنالك أوثر الموت الشريف على احتمال الذل والعار، وسأبذل نفسي بكل ابتهاج فداء لقضية امتي، مغتبطا بخدمة بلادي حتى آخر نسمة من حياتي، ذلك ما صممت عزمي عليه، وقد روى التاريخ أمثلة عديدة لمثل هذا الإخلاص، ومهما يكن ما صممت عزمي عليه، وقد روى التاريخ أمثلة عديدة لمثل هذا الإخلاص، ومعما يكن فان لي وطيد الامل في انكم ستقدرون عدالة مطالبي وتزيدون اقتراحي الاخيرة التي قدمتها إلى خليل باشا، وفي انتظار تحقيق هذا الامل قد كتبت لكم هذا الخطاب الودي الذي تسلمه مني ياوركم يدا بيد – الإسكندرية في 8 مارس سنة 1833، محمد علي والي مصر.
العثمان يفرون دون قتال
ويقول وثائقي لقناة "تركيا الآن"، أن الجيش المصري بعد تحركه احكم قبضته على خان يونس وغزة، ومن بسالة جنوده كانت تهرب من إمامه الحاميات العثمانية دون قتال، بعدها وصل إبراهيم باشا إلى حيفا، والتي أصبحت قاعدة الجيش المصري، للهجوم على العثمانيين في سوريا، ومن حيفا انطلق إبراهيم باشا بجنوده لحصار عكا، فضرب عليها الحصار مدة 3 أشهر كاملة، لم يكتفي خلالها المصريين بمحاولات اقتحام المدينة، بل استولوا خلال حصارهم لها على مدن صور وصيدا وبيروت وطرابلس والقدس.
معركة الزرافة تنتهي بنصر المصريين
هنا أرسل العثمانيون انذرا إلى محمد علي، بضرورة الانسحاب إلى مصر، فلما رفض الباشا، جهز السلطان محمود الثاني جيشا بقيادة عثمان باشا اللبيب، قوامه 20 الفا من الجنود الأتراك وأمرهم بحرب إبراهيم باشا، وقرب بعلبك، احتك الجيشان المصري والتركي، وانتصر المصريون بعد حربا طاحنة، فر فيها الأتراك أو غرقوا في نهر العاصي، بعدها سقطت عكا في قبضة الجيش المصري، تم توجه الجيش صوب دمشق فدخلها في 9 يونيو 1823، بعد هروب الوالي التركي منها، أمام كل تلك الانتصارات انزعجت تركيا وقررت أن ترسل جيشا بقيادة حسين باشا، لوقف الزحف المصري، بلغ قوامه 60 الفا من القوات العثمانية و 25 سفينة حربية، ولكن في معركة حمص عاود الجيش المصري الكرة فانتصر عليهم في 3 ساعات فقط، واسر 2500 منهم وقتل نحو 2000 آخرين، ليسيطر على حماة وحلب، ثم زحف نحو بيلان حيث كان يعسكر الجيش العثماني الهارب من حمص، كان الأتراك في 45 الفا يعززهم 160 مدفعا، وبعد مرور 3 ساعات أخرى سحقهم المصريون من جديد، وقتلوا من عدوهم 2500 واسروا أكثر من 2000.
الجيش العثماني يركع ذليلا مقهورا
استمر إبراهيم باشا في مطاردة الأتراك حتى استولى على الاسكندرونة وبياس وملقية، فتم القبض على 1900 من الأتراك ، ثم أتم المسيرة فاستولى على أنطاكية واللاذقية والسيويدية، اهم حزمة الانتصارات الجديدة، ارسل السلطان العثماني محمود الثاني جيشا تركيا اخر بقيادة رؤوف باشا، وفي ساحات مدينة قونية، دارتا واحدة من اكبر معارك الجيش المصري في التاريخ ، حيث دامت 7 ساعات كاملة وانتهت بنصر عظيم للمصريين الذين قتلوا نحو 3000 من الأتراك واسروا نحو 6 آلاف على باب اسطنبول.
لجا العثمانيون إلى أوروبا للفكاك من المطرقة المصرية، وبينما كانت الوساطات الأوروبية تعمل عملها كان إبراهيم باشا يواصل إحكام قبضته على الأناضول حتى ضم أزمير وكوتاهية، ليكون جيش مصر للمرة الأولى على بعد خطوات من اسطنبول، في تلك اللحظة أوقفت أوروبا التقدم المصري بصلح "كوتاهية" في 8 ابريل عام 1833، والذي لم يكن صلحا حاسما، حيث بعد 6 سنوات عاد القتال من جديد فعاود العثمانيين حشد جيوشهم مرة أخرى ووضعت القيادة تحت أمر حافظ باشا، وفي ساحة "نصيبين"، اشتبك إبراهيم باشا مع الجيش العثماني وحقق أعظم انتصاراته منذ خرج إلى سوريا أول مرة، فبعد ساعات من الحرب الطاحنة انتصر المصريون وقتلوا أكثر من 5 ألاف تركي مع اسر نحو 15 ألف آخرين .