نبيل شرف الدين
مشاهد تمثيلية باللغة العربية من«العِظة على الجبل»، أو «عِظة الجبل» أو «الموعظة على الجبل» ، والتي تُعرف أيضًا باسم «شريعة العهد الجديد» حيث طرح فيها السيد المسيح «له المجد» ، إحدى وعشرين قضية تنظيمية تشكل «لُبّ الإنجيل والعهد الجديد»، موضحًا نقاطًا في شريعة موسى، وملقيًا عددًا من الإرشادات التي يلتزم بها المسيحيون المؤمنون، كما تُدعى العظة «عظة الجبل» لأن السيد المسيح «له المجد» ألقاها من على جبل لعله أحد جبال «الجليل» بالقرب من بلدة «كفر ناحوم» ، ويرى الشُرّاح والمفسرون، في «عظة الجبل» لُبًا لمواعظ السيد المسيح جميعها ، وربما يكون أعاد جزءًا منها في مواضع أخرى من بشارته خارج «كفر ناحوم»، ولعلها استغرقت عدة أيام ، وهي تشكل ثلاث فصول كاملة من إنجيل متى، وأهمّ ما فيها التطويبات والصلاة الربيّة ، و«عظة الجبل» وردت في ثلاثة فصول متتابعة من إنجيل متى، ومواضيعها الأساسية ذكرت في إنجيل لوقا على وجه الخصوص ، وتفتح العظة التطويبات ، وهي «دستور أخلاقي متكامل ، ومعيار لسلوك كل المؤمنين بالسيد المسيح» ، ويلي التطويبات تفسير لسبب الالتزام بها في 5: 13-16، ومع ختام نصوص التطويبات وملحقها يأتي «تثبيت الشريعة» أي توراة موسى وتعاليم الأنبياء السابقين ، وعدم نقضها أو إلغائها ، والحضّ على الالتزام بها ، لاسيّما «الوصايا العشر» الذي انتقل السيد المسيح لتفسير بعضها في القسم الثاني من الفصل الخامس ، فبدأ بتفسير الوصية الخامسة «لا تقتل» في 5: 21-26، ثم «لا تزنِ» في 5: 27-32، ثم «لا تحلف باسم الربّ بالباطل» 5: 33-37؛ ثم اختتم الفصل الخامس بمناقشة القاعدة التشريعية الشهيرة في الشرق القديم والتي ذُكرت في «التوراة» التي أُنزلت على النبي موسى أيضًا «العين بالعين ، والسن بالسن» في 5: 38-46 وبررها بأنّ «لا تقاوموا الشر بمثله».
وفي الحلقة الثانية من عظة الجبل، ناقش السيد المسيح قضايا تعبدّية ، فبدأ بالصدقة، ثم الصلاة مُعلمًا الصلاة الربّية، وهي الصلاة الوحيدة المأثورة عن السيد المسيح ، واختتم الجانب التعبدي بالصوم ، ليُنهي الجزء الأول من الحلقة الثانية المتعلقة بالعبادات بتشبيهها بالكنوز السماوية وناصحًا بعدم إيثار كنوز الأرض التي يُفسدها السوس والصدأ، وينقب اللصوص ويسرقون، بكنوز السماء، وفي الجزء الثاني يعود السيد المسيح لمناقشة الوصايا، «لا تشتهِ» أي الوصيتين التاسعة والعاشرة، والأولى ، أي لا يكن لك إله غيري ، فيوضح السيد المسيح «له المجد» أن الأوثان قد تكون أشياء غير مادية كالمال ، ويناقش موضوع العناية الإلهية والتدبير الإلهي للكون والمخلوقات ، مختتمًا بذلك الحلقة الثانية.
أما الحلقة الثالثة والأخيرة من «عظة الجبل»، وهي أقصرها، تحوي سبعة نصائح : أولها، «لا تدينوا لئلا تدانوا ، فبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم»، [مت 2:7] والثانية: «لا تُعطوا ما هو مقدسٌ للكلاب، ولا تطرحوا درركم أمام الخنازير» في إشارة لمن هم غير أهل لها ، فالكلاب والخنازير تعتبر حيواناتٍ نجسة توراتيًا ، والثالثة «إسألوا تُعطوا ، أطلبوا تجدوا ، إقرعوا يُفتح لكم» ، في إشارة إلى مدى خصوصية العلاقة الشخصية للغاية بين كل إنسان وربه.
وأخيرًا الرابعة وهي : «أدخلوا من البابا الضيّق ، فإنّ الباب المؤدي إلى الهلاك واسع وطريقه رحب» ، والخامسة : «أحذروا الأنبياء الدجالين الذين يأتون إليكم لابسين ثياب الحملان» ، والسادسة : «ليس كل من يقول يا رب يا رب، يدخل ملكوت السموات ، بل من يعمل بإرادة أبي الذي في السموات» ، أما السابعة وهي خاتمة عظة الجبل، وأول أمثال الإنجيل، فهي مَثل البيت المؤسس على الصخر، فشبّه تعاليمه ومن يعمل بها بالبيت المؤسس على الصخر .. طابت أوقاتكم وبوركت أعمالكم في هذه الأيام المباركة بمناسبة صيام السيدة العذراء «أم النور» ودامت المحبة التي لا تسقط أبدًا.