عرض: إسحق إبراهيم
من أكثر النزاعات المؤلمة التي شغلت أفكار الملايين من البشر في القرن العشرين ومازالت تربك أفكارهم، فقد أدى النزاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى نشوب خمس حروب وانتفاضة شعبية بدأت في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1987 ومازال الصراع يتفاقم حدة وتزايدت الآلام الناتجة عنه.
يقدم هذا الكتاب كما ذكر الناشر "لاهوت تحرر فلسطيني" فهو "لاهوت" لأن مرجعيته هو الله الخالق والمحب والعادل والرحيم. وهو "تحرري" لأن كل مَن ينادي بالحق ويصنع العدل يقف مع الله ويختبر التحرر والحرية، وهو لاهوت "فلسطيني" لأنه نتج عن الخبرة الفلسطينية في مأساتها ومعاناتها وتمنياتها.
يحكي الكاتب في الفصل الأول "المواجهة" تجربته الشخصية مع العصابات الصهيونية التي احتلت منزله في مدينة "بيسان" وإجباره على الهجرة منها مع أسرته ليستقر به الحال في الناصرة ثم سفره إلى الدراسة بالولايات المتحدة، مشيرًا إلى الروافد الأربعة التي شكلت هويته وشخصيته وهي: مسيحيته ثم انتماءه الفلسطيني. وفي هذا الصدد تعرض لسؤالين وهو في أمريكا الأول: هل يوجد في الشرق مسيحيون؟! والثاني يربط بين الفلسطينيين والإرهاب ثم تأثر بكونه عربي وأخيرًا إسرائيلي وهو يحمل جنسيتها.
يحلل الدكتور نعيم في الفصل الثاني "ساحة الصراع" ويعترف بأنه من غير الممكن تقريبًا أن نكون موضوعيين فيما يتعلق بالصراع لأن كل طرف يدعي الموضوعية التي تخضع لمشاعر المتخاصمين واعتقاداتهم، وأن جوهر الصراع يعود إلى مطالبة كل من الشعبين بحقه في امتلاك نفس الأرض ورغم أن هذا الادعاء يعتمد على آلاف السنين فان الصراع ظاهرة معاصرة لم تتجاوز قرنا من الزمان وترتبط بعوامل أخرى سياسية وبعضها غير سياسية. فالحركة الصهيونية عملت على متابعة هدفين الأول تشجيع المهاجرين اليهود إلى فلسطين على شراء الأرض وبناء المستوطنات ثم العمل دون كلل لتوفير الصبغة القانونية لذلك وتم تحقيق هذا الهدف في نوفمبر 1917 بوعد بلفور الذي أعطى اليهود الحق في وطن بفلسطين.
ولا ينسى الكاتب الفلسطينيين العرب في إسرائيل وقسم تاريخهم إلى أربع مراحل الأولى الصدمة (1948-1955) حيث الاضطهاد والظلم فقد أصبح الفلسطينيون أقلية في بلادهم وفرضت عليهم الحكومة الإسرائيلية الأحكام العرفية وقامت بالاستيلاء على أراضيهم وممتلكاتهم.
ثم مرحلة الاستسلام (1956-1967) تعامل الفلسطينيون مع الواقع بنظرة واقعية واعتمد حياتهم على رحمة وفضل اليهود وتم حذف هويتهم.
أما المرحلة الثالثة الصحوة (1968-1988) فقد ظهرت منظمة التحرير الفلسطيني وبدأت تتواجد منظمات مدنية فلسطينية حيث العودة إلى الفلسطنة.
وأخيرًا المرحلة الرابعة الانتفاضة حيث عبرت ثورة الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة في 1987 عن اكتمال الوعي وفي خطوة لا سابق لها قام رؤساء الطوائف المسيحية في القدس في 22 يناير 1988 بإصدار بيان ضد الظلم والاضطهاد داعيين المسيحيين إلى الصلاة والصوم وتقديم العون لإخوانهم ونقل الفلسطينيون مطالبهم إلى العالم من خلال انتفاضة الحجارة وهي إنهاء الاحتلال والاعتراف بمنظمة التحرير كممثلهم الشرعي وحقهم في تقرير المصير كما لم يدع الفلسطينيون إلى تدمير إسرائيل وإنما إلى إنشاء دولة لهم.
ماذا يعني أن تكون فلسطينيًا ومسيحيًا في إسرائيل؟ كان هذا عنوانًا للفصل الثالث الذي تناول دور الكنيسة في زيادة وعي المسيحيون الفلسطينيون حيث بدأت في أواخر الستينيات خلال فترة اليقظة فقد كان القس "يوسف ريا" رئيس أساقفة الروم الكاثوليك في إسرائيل وقتها قسًا ونشطًا في حركة الحقوق المدنية وتبنى قضية القريتين المسيحيتين اللتين تم إخلاؤهما أقرت وكفر برعم اللتان تقعان بالقرب من الحدود اللبنانية في الشمال. وفي سياق مختلف أشار الكاتب إلى وجود أقلية أصولية مسيحية تفسر التوارة حرفيًا وترى أن إنشاء دولة إسرائيل هو تحقيق لأمل مستقبلي بالآخرة ويتناسب مع فكرة نهاية العالم والمجيء الثاني للمسيح.
يؤكد الكاتب في الفصل الرابع "الكتاب المقدس والتحرر.. وجهة نظر فلسطينية" أن القضية الرئيسية والتي تحتل صلب القضايا الأخرى هي العدالة، فمنذ إنشاء دولة إسرائيل 1948 يتحدث الفلسطينيون عن الظلم الذي حل بهم.
إن كل لاهوت تحرير يجب أن يخاطب العدالة بغض النظر عن الانتماءات الدينية. فالكاتب ينظر إلى الكتاب المقدس كمصدر من مصادر القوة لتقديم الحلول وإرشاد الناس إلى الإيمان والخلاص لكن الغريب أن بعض المسيحيون استعانوا به لدعم الظلم بدل العدالة. ولذلك يجب على الفلسطينيين البحث عن التأويل الصحيح الذي يساعده في بيان معالم كلمة الله الحقيقية وهذا يتطلب معرفة بالكتاب المقدس واستعمال العقل الإنساني وهو عقل تم تنويره بظهور الله في المسيح.
وينتقل الكاتب من هذا إلى الفصل الخامس "صرخة فلسطينية من أجل العدالة والرحمة" حيث
يتعرض الفلسطينيون لاضطهاد وظلم لكن يؤمن الفلسطينيون سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين إيمانًا قويًا بالله وأن الله يقف في جانب المضطهدين وضحايا الظلم غير أن الأمل في وسط الظلم يكمن أن يؤدي إلى الاستسلام.
وينبع لاهوت التحرير الفلسطيني من إدراكهم أن الله يقف إلى جانب المضطهدين الذين يعملون معه من أجل يوم أفضل ويواجهون الذين يضطهدون بخطيئتهم. هنا يصبح الأمل حافزًا للتغيير.
فالكنيسة في فلسطين- إسرائيل مدعوة إلى خدمة دينية ذات بعدين الأول نبوي والثاني يتعلق بصنع السلام. ويوضح الدكتور نعيم في الفصل السادس "طوبى لصانعي السلام.. التزام الكنيسة بالخدمة النبوية وصنع السلام" أن الالتزام النبوي يفرض على الكنيسة أن تقوم بتحليل وتفسير الأحداث لاهوتيًا بجرأة وأن تدرك ببصيرة علامات الزمان وترك المجال لفكر المسيح كي يؤثر على هذه الأحداث وينشأ الالتزام النبوي من إيمان الكنيسة بأن السعي النشط نحو العدالة ليس خارج نطاق سلطانها وقدرتها، أما بالنسبة لصنع السلام فعلى الكنيسة أن تدرك بأنها مدعوة من الله لتكون عاملاً مساعدًا في صنع السلام والمصالحة.
فحلم السلام يبنى على قاعدة أساسية هي وجود أرض للفلسطينيين واليهود وأن يتم الاعتراف بدولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيلية لا يوجد بديل آخر يقدم العدالة والسلام الحقيقي والاستقرار لمنطقتنا. وأن تبنى مواقف جديدة كأسس للسلام.
إحصاءات وأرقام:
1.3 مليون نسمة من الفلسطينيين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة.
يعيش ما يقرب من مليون فلسطيني في المملكة الأردنية ويحملون الجنسية الأردنية.
يعيش ما يقرب من 300 ألف فلسطيني في مخيمات في لبنان.
يمثل المسيحيون 10% من إجمالي عدد الفلسطينيين.
800 ألف فلسطيني يعيش في إسرائيل يمثلون 18% من إجمالي عدد السكان ، منهم 100 ألف مسيحي.
المؤلف: القس الدكتور نعيم عتيق
الناشر : دار الكلمة
عدد الصفحات: 216