عزة كامل
«نحن سالمون، ولكننا لسنا بخير مادامت بيروت ليست بخير، نحن بخير فى مدينة مدمرة ومستباحة، صامدون هنا قرب هذا الدمار الكبير.. شكرًا لكل من سأل، نحن بخير وفى حالة صدمة ولم نستوعب ما حصل، اليوم ماتت بيروت، قتلها الفساد والمحاصصة الطائفية، بيروت أصبحت بلا بيروت، عرايا نحن، لا أفق يغطينا، ولا قبر يوارينا، هذه ليست بيروت، لا.. هذه بيروت، مدينة مدمرة ومجروحة، استباحها اللصوص، والدم ينشر زجاجها فى العيون».
هكذا كتب وعبّر الأصدقاء والصديقات اللبنانيون على صفحاتهم، وأفصحوا عن رعب جحيم انفجار بيروت، وكيف لا والمدينة امتلأت بالجثث المحترقة، وتناثرت فى سمائها شظايا زجاج البيوت المهدمة، وتعالى صراخ وبكاء الأطفال والشيوخ بين سُحب الدخان المسمم وكأنه الجحيم بعينه!.
هذه المأساة التى ترافقت مع الاشمئزاز والغضب من شعب يواجه الإفقار والإذلال من تداعيات أزمة اقتصادية طاحنة، شعب متروك لمصير غامض ومستقبل مجهول مع قوى داخلية وقوى إقليمية ودولية تمارس الحصار على لبنان بشتى الطرق لتكمل على الحالة اللبنانية الغارقة باتفاقات المحاصصة، وأزمات سياسية شرسة، وفساد داخلى واضح ومعلن، ست سنوات و2700 طن شحنة من نترات الأمونيوم مصادرة ومخزنة فى مرفأ بيروت، شحنة كفيلة بأن تدمر مدينة بأكملها، وهذا معلوم للجميع، لأن هناك انفجارات حدثت فى العالم، وتسببت فيها نترات الأمونيوم فى القرن العشرين فى ألمانيا وفرنسا وأمريكيا وكوريا الشمالية.. وآخرها 800 طن فى ميناء تيانجين الصينى عام 2015 الذى أدى إلى انفجار هائل دمر المنطقة بأكملها.
انفجار بيروت أدى إلى آلاف الجرحى ومئات القتلى وتشريد آلاف الأسر إثر تحطيم منازلهم، فى ظل غياب كامل للدولة للإنقاذ والإغاثة، والعجز الفاضح للسلطات والأحزاب، وخَرَس كامل لمافيا المحاصصات الطائفية، لم يبقَ إلا الدمار ليعبر على كواهل الناس، والسحب السوداء التى تحجب البحر والشمس والحياة وعيون مذعورة تحدق فيما وراء المكان.
عيوننا ممتلئة بشظايا الانفجار، منذ عقود الانعكاسات والصراعات الإقليمية فى البنى الطائفية أسست نظام حرب أهلية دائمة ومخيفة فى لبنان، فمزقته، وتحمل الشعب عبء هذا التاريخ المنكوب، ولكن جسارة هذا الشعب ومقاومته انتصرت فى النهاية.. نحن متيقنون أن بيروت ستنجح فى تضميد جراحاتها والنهوض من بين الركام والحصار واستعادة روحها ودورها الحضارى والثقافى.. ستعود بيروت بعزيمة الشباب والشابات الذين يحملون عصاهم لانتشال الجثث من تحت الأنقاض، وتنظيف الشوارع وتنظيم مساعدات الإغاثة.. ستنهض بيروت حتمًا، وسنحتفل معها بنهوضها.
نقلا عن المصرى اليوم