زهير دعيم
في إحدى الممالك البعيدة والجميلة ، عاش ملكٌ عادل ، أحبَّهُ شعبه حُبًّا جمًّا ممّا زادَ من سعادته..
وما كان ينقص هذا الملك شيء إلا أن يمُنَّ الله عليه وعلى زوجته بطفلٍ يملأ القصر بهجةً وسعادة ، خاصّةً أنّه وزوجته الملكة أضحيا كبيريْن في السّن.
وكان الملك والملكة يصلّيان في كل ليلة لله أن يرزقهما ولدًا.
في إحدى الليالي ، ظهر ملاك للملك في المنام وأخبره أنّ الله استجاب لصلاتهما، وأنّ الدليل على ذلك سيكون قلادة فِضيّة جميلة مطروحة عند البوّابة
الخارجية للقصر ، وتابع الملاك حديثه قائلًا : "احتفظ بهذه القلادة حتّى تلد زوجتك أميرةً جميلة ، فقلّدها ايّاها ، ولكن احذر من ضياعها لأنَّ في ذلك هلاك
الاميرة التدريجيّ "
وكانَ ما كان ، فولدت الملكة بعد شهور تسعة طفلةً جميلة شقراء الشّعر ، زرقاء العينين أسمياها جلّنار.
فرحَ الملك وزوجته فرحًا كبيرًا، ورقصَ الشعبُ وغنّى ابتهاجًا ، ولم ينسَ الملك فقلّدَ الأميرة القلادة الفضيّة منذ اليوم الأول لولادتها.
مرّت الأيام والقلادة الفضيّة تُزيّن عُنُقَ الأميرة ، وهي تحظى برقابة واهتمامٍ كبيريْن.
ومع الأيام كبرت الأميرة جلّنار وأضحت صبيّةً كقلب الصباح ، فأسرت قلوب جميع شبّان المملكة ، وتهافت الامراء والنبلاء من شتّى الممالك يطلبون يدها ، وهي تتمنّع وترفض قائلةً : "لم يحن الوقتُ بعد ! "
وفي إحدى الليالي الربيعيّة الجميلة ، أقام القصر احتفاءً بعيد ميلاد الاميرة جلّنار الثامن عشر حفلةً حفلاء ، دُعيَ إليها الامراء والنبلاء من المملكة وخارجها ، فرقصت الاميرة جلّنار وغنّت بصوتها الشجي فسحرت كل الحاضرين .
استمرت الحفلة حتى الساعات الصّغرى من الليل . ولمّا انفضّ عقد المدعوين أصاب الوهن والضعف الاميرة جلّنار، فاعتقد الجميع أنّ التعب هو السبب ، ولكنَّ الملك كان له رأي آخر ، فقد أسرع وفتّشَ عن القلادة الفضية في عنق الاميرة ، ولشدّ ما كان حزنه كبيرًا حين تأكدَ له أنّ القلادة قد ضاعت.
مرَّ يومٌ ويومان والاميرة ترقد في أتون من الحُمّى ، والملك والملكة والشعب في حزن شديد ، يُفتّشون في كلّ زاوية من زوايا القصر والمملكة ، لعلهم يقعون على أثر لهذه القلادة الفضيّة ولكن بدون جدوى .
لم يجد الملك بُدًّا من الإعلان للشعب بأنّه سيُزوّج الاميرة جلّنار لمن يجد القلادة ، بل وسيعطيه نصف مملكته .
طار الخبر إلى أقاصي الأرض ، وجاء الأمراء من كل البلدان للبحث عن القلادة الفضيّة ، في حين استمرت حالة الاميرة تسوء يومًا بعد يوم .
وفي أحد الايام والاميرة تحتضر والحزن يُخيّمُ على القصر وأهله ، جاء شابٌ وسيم يرتدي الملابس الرّثة البالية، وأراد أن يدخل القصر فمنعه الجنود ، فأخبرهم أنّه غريب الديار جاء هذه المملكة يبحث عن عمل، فوجد قبل مدة قصيرة عند البوابة الخارجية للقصر قلادة فضيّة يعتقد أنها لأحد سكّان القصر !!.
طار الحُرّاس من الفرح ، وحملوا الشاب الغريب إلى الداخل ، حيث الاميرة ومن حولها الملك والملكة يبكيان.
وما أن رأى الملك وزوجته القلادة ، حتّى هبّا فرحيْن، وأسرع الملك فوضع القلادة في عنق الاميرة جلّنار .
ويا للعجب!! ...لقد بدأت الحياة تدُبُّ رويدًا رويدًا بأوصال الاميرة، وعادت حُمرة الشّفَق تُلوّن خدّيْها، وأخذت الابتسامة تُزيّن مُحيّاها الجميل .
لم يعرف الشاب الغريب ما يجري حوله فالكلّ يرقص ويغنّي ، فانسلّ من بين الجموع دون أن يراه أحد.
وعندما استفاق القوم من فرحتهم ، فتّشوا عن الشاب الوسيم صاحب الملابس الرّثة ، فلم يجدوه....
وما زالوا يبحثون عنه حتى اليوم، والاميرة جلّنار تنتظر وتنتظر .
فان صادفتم يا أحبائي الاطفال في طريقكم الى المدرسة شابًّا وسيمًا رثّ الثياب ، فربّما يكون هو الغريب ، فالاميرة جلّنار تنتظره وتنتظركم !!