محمد أبوقمر
أنا أفهم هذه العبارة علي النحو التالي :
عندما يؤيدك أو يعارضك شخص ما فيما تقوله أو تفعله فهو يعترف بك ، اعترافه بك يدفعه إما لتأييدك أو لمعارضتك ، وحين يؤيدك فهو يقف بجانبك ويساعدك ويدافع عنك ويحاول بكل قوة إقناع معارضيك بما تقوله وبما تفعله ، أما حين يقف أمام ما تقوله أو تفعله موقف المعارض فهو يناقشك بمنطق العقل لا بغرض الإساءة إليك وإنما بغرض إقناعك بأن ما تفعله أو تقوله يلزمه بعض التنقيح .
هو يفعل ذلك فقط في حالة اعترافه بك واحترامه لك واقتناعه بأنك علي صواب.
أما في حالة عدم اعترافه بك فإنه يعتبرك خارج حساباته فلا يؤيدك ولا يعارضك ، ويقول : ( أنا لست معارضا لك ولا مؤيدا فأنا صنف ثالث ).
ماذا تعني هذه المقولة إذن؟؟؟!!!
ماذا يقصد السلفيون بقولهم إنهم ( صنف ثالث لا يؤيد ولا يعارض )؟؟؟!!.
السلفية ياسيدي هي الوعاء الذي أفرز فكر الارهاب بكافة تنوعاته ، الاخوان ، القاعدة ، داعش ، النصرة ، الجماعة الاسلامية ، جيش الاسلام ، بيت المقدس ، الذئاب المنفردة ، كافة صنوف الارهاب كلها من إفراز الفكر السلفي ، وأذكرك بأن الصحوة الاسلامية التي اجتاحتنا في السبعينيات من القرن الماضي والتي نشأت وفق مؤامرة مع المخابرات السعودية والأمريكية والتي لم تعد تفاصيلها خافية علي أحد، هذه الصحوة كانت هجمة سلفية استهدفت العقل المصري والروح المصرية وقيم التعايش والسلام الاجتماعي التي كانت تعيش عليها مصر منذ القدم.
هذا الوعاء السلفي الذي لا يفرز سوي الارهاب والخوف والموت والكراهية هو بالأساس وعاء سياسي يرتكز علي أكثر زوايا التراث الاسلامي ظلمة وجمودا ودموية وخرافية ويغلف ذاته بالدين لكي يعطي لمشروعه السياسي قداسة ومشروعية ، هذا المشروع هو الدولة الاسلامية ، دولة الخلافة التي ستطبق الشريعة الاسلامية والتي تتلخص تفاصيلها في قطع يد السارق ، ورجم الزانية وقتل تارك الصلاة وإذلال الأغيار وإبعاد المرأة تماما عن ساحة الحياة ، ومعاداة كل ما هو غير إسلامي ، واللجوء إلي الغزو كوسيلة لحل المشاكل الاقتصادية ، وسبي النساء الأجنبيات ، وإعادة فتح أسواق النخاسة لبيع وشراء العبيد ، وما إلي ذلك من الفظائع التي يسمونها الشريعة الاسلامية.
فالقصد إذن من قولهم إنهم ( نوع آخر لا يعارض ولا يؤيد ) هو عدم اعترافهم بأي نظام يخالف رؤيتهم للدولة الاسلامية ، دولة الخلافة والشريعة والفظائع والتخلف الذي عهدناه وخبرناه في الدولة العثمانية الاسلامية التي أخرجت المنطقة العربية كلها من التاريخ وارتكبت أبشع الجرائم في تاريخ الإنسانية ، وفي مختلف مراحل الحكم الأموي والعباسي حيث كان الأخ يقتل أخاه في صراعهما علي الخلافة ، وحيث قتل المفكرين ومطاردة المخالفين واضطهاد الأغيار وإذلالهم .
اعتراف السلفيين علنا بأنهم نوع ثالث لا هو معارض ولا هو مؤيد يعني أن كل ما يخالف فكرتهم عن الدولة الاسلامية عبث لا يستحق التأييد أو المعارضة ، الدساتير الوضعية وفق منظورهم السياسي المغلف بالدين عبث ، القوانين عبث ، التعليم المدني عبث ، العلم عبث ، إنجازات الحضارة الإنسانية كفر ، خروج المرأة للعمل مخالف لشرع الله ، الديمقراطية مخالفة لمشيئة الخالق ، حياة الناس في مجملها مخالفة للاسلام ، أي أنهم يكرهون كل شيء فكيف يعارضون أو يؤيدون ما يكرهونه؟؟!!.
لماذا إذن يشترك السلفيون في الانتخابات بالرغم من أنهم نوع ثالث لا هو مؤيد ولا هو معارض ولا هو مؤمن بالديمقراطية ؟؟!
السلفيون يشتركون في الحياة السياسية التي لا يعترفون بها لثلاثة أسباب :
1- التقية التي تجعلهم في مأمن من الملاحقة الأمنية .
2- قد تمنحهم هذه المشاركات يوما ما فرصة التمكن من الصعود إلي السلطة.
3- الاشتراك في الحياة السياسية بهذه الطريقة الساكنة الخبيثة التي لا يعارضون فيها ولا يؤيدون تمنحهم - مع غفلة الدولة - فرصة التداخل في زوايا المؤسسات والسيطرة علي مفاصلها وقد رأينا كيف اخترقوا الأزهر اختراقا كليا ، وكيف شاعت أفكارهم وخرافاتهم وفتاويهم وكيف تحالف بعض إعلامنا معهم بحيث تمكنوا من إجهاض أي مشروع ثقافي يحترم العقل والوجدان.
السلفيون هم أنفسهم من قالوا عن أنفسهم إنهم نوع ثالث يفكرون ويعملون ويدبرون خارج المنظومة الدستورية والقانونية ، نوع آخر سيظل دائما هو الوعاء الذي يفرز علي الدوام التخلف والخرافة والجمود والارهاب فضلا عن تلك الحالة من التهافت الثقافي والفكري والانهيار الاخلاقي والتكفير والكراهية واحتقار المرأة.