بقلم المهندس باسل قس نصر الله - مستشار مفتي سورية
ظَهرَتْ في الفترات الأخيرة ربط الدين الإسلامي بالإرهاب، وهنا أوَدُّ أن أوضِح – وأنا المسيحي عقيدة – أنه برأيِ وبشكل بسيط، لا يوجد إسلام متطرف أو إسلام معتدل، فهناك إسلام إما أن نفهمه أو لا نفهمه، وكل الخلافات التي وُجِدت عبر التاريخ كان لها مُسبِّبات ذات أبعاد سياسية.
هناك إجماعٌ حول التفريق بين السلفية والتكفير الديني، فالسلفية "حسب مفهوم السلفيين" تعني الإسلام النبوي الأصيل أو العودة الى الجذور، أما التكفير – قديماً - فهو منهج الخوارج الذين خرجوا عن أئمة الأمة وقتلوا الإمام "علي"، لذك فإن السلفيين لا علاقة لهم بالتكفيريين إنْ وُجدوا، لا عقيدةً ولا فكراً ومنهجاً ولا أفعالاً، فكل الفئات السلفية ترفض الإرهاب بكل أشكاله.
تَعمد الحركات التكفيرية الكثيرة، الى إنكار كل آيات التسامح في الإسلام وحرية الأديان، بلا استثناء واعتبارها منسوخة، بِآية السيف، وهي الآية الخامسة من سورة التوبة "فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ".
يَدّعي الكثير من الفقهاء بأن أية السيف قد نَسخت مائة آية تقريباً وتبعتهم كل الفرق التكفيرية في العصر الحديث التي بَنَت أُسسها على ذلك، لأنه يتناسب مع أهوائِهم وميولهم.
إننا نلمس اليوم، التداخل السياسي في صلب العقيدة، وتتبنى الصراعات الكبرى تلك المجموعات التكفيرية، التي فقدت الشرعية والقبول بين الناس، فأصبحت تنتشر وتؤجج نار الخلافات المذهبية، وتعمل على كسب تأييد المكوّن السني، علماً بأن "السلفية الجهادية" أو تلك "التكفيرية"، ليست حنبلية أو وهابية المذهب في أصولها. فالجماعة الإسلامية والجهاد المصريتان، نشأتا في بيئة شافعية ومالكية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جماعات أندونيسيا وماليزيا وعدن وكل الاصقاع الشافعية. وطالبان تنتمي الى المذهب الحنفي، والجماعات المغربية والجزائرية كلها مالكية، لكنها في الأخير تنفذ هذه الجماعات – عن معرفة أو عن جهل - أجندات متنوعة، فمثلاً ان الهدف غير المعلن للولايات المتحدة الأميركية، الذي يتم إخفاؤه بعناية، هو أن تضرب المنافسَين روسيا والصين بمنافس ثالث لا يقل عنهما خطراً عليها وهو الإسلام، فكان اللغم هو "الإيغور".
ولا شك بأن الفكر التكفيري، هو كل تفكيرٍ يرى أن الحقيقة محصورة فيما يعتقدهُ، وأن لا حقيقة خارجه، وأن كل من يخالفونه هم من أهل الضلال، بمعنى الضلال الديني، وبمعناه الفكري، ويصرّ على قولبة الناس بحسب مقاساته الخاصة، والحركات التكفيرية ترفض أي احتكام إلى الأغلبية، وتقوم بتعيين المناصب فيها وِفقاً للولاء لهيئاتها القيادية والإلتزام بمشروعها الإقصائي من دون أي اعتبار للناس.
ومن التكفير يتَوَلّد التطرف عبر مراحلٍ ثلاث: الأولى تكون بأن يتصدر أُناس لا حظّ لهم من العلم، فيفتون الناس بالجهلء. ثم تأتي المرحلة الثانية، وتكون بأخذ سلطات القضاء، فبعد أن أَفتَوا بغير علم، أخَذوا يُنزِلون الأحكام على أفراد المسلمين، ويقضون عليهم بالكفر والردة والزندقة، وهي كلها أحكام قضائية تُطلق مِن خلال أروقة المحاكم، ليتمكن المسلم المتهم بالكفر والزندقة والردة من الدفاع عن نفسه. ثم تأتي المرحلة الأخيرة من التطرف وهي أخذ سلطات ولي الأمر، والتنفيذ بعمليات القتل والإرهاب وغيرها.
هنا كان لتدخل الدول ذاتالأجندات السياسية في تطويع واستغلال الحركات التكفيرية المبنية على قراءة شاذة لِفكر إسلامي، فنسمع اليوم عن انتقال آلاف الجهاديين من مكان الى مكان آخر فقط تحت ستاء أنهم يحاربون أعداء الإسلام، وليسوا بحاجة الى مبرر إيديولوجي.
ويجب أن نصل إلى نتيجة مفادها، أن أي فشل في التصدّي للجيل الجديد من المتشددين التكفيريين سيؤول إلى انتشار الإرهاب في الشرق الأوسط و آسيا الوسطى. بالإضافة الى ذلك، فإن الإنتصارات العسكرية للإرهابيين ستشجعهم على مهاجمة أوروبا وأمريكا.
كما يجب أخذ العلم بأنه لا يوجد اليوم سلفية واحدة بل هناك سلفيات عدة مع مسميات متنوعة منها السلفية التقليدية والتاريخية والإصلاحية، ومنها السياسي الحركي، والجهادي التكفيري النظري، ومنها التكفيري المسلح، ومنها الجهادي السلفي الأممي أخيراً، الذي بدأ ينقل الجهاديين تحت مسمى الدفاع عن الإسلام العالمي.
وظهرت أسماء الحركات التكفيرية وأشهرها "الدولة الاسلامية في العراق والشام" وتُقرأ اختصارا "داعش"، ودمجت "جيش الطائفة المنصورة" و "سرايا الجهاد الاسلامي" و "سرايا الغرباء" و "كتائب الهول" و "سرايا أنصار التوحيد" و "جيش أهل السنة والجماعة" و "كتائب المرابطين" و "جند الصحابة" و "جيش الفاتحية" و "كتائب كردستان" و "سرايا ملّة ابراهيم" و "كتائب أنصار السنة والتوحيد" و "سرايا فرسان التوحيد" وغيرها الكثير. وهنا أود أن أقف لأنوّه بأن الجماعة الأكثر شهرة "الإخوان المسلمون" ليست بعيدة عن روح التكفير، فهي ان لم تعلنهُ إلا أنها تَضمرهُ.
وهناك رابط مشترك بين "السلفي والتكفيري" يتشاركون في قناعتهم بضرورة العودة الى القيم الأولى للدين الإسلامي، وفي مقاربتهم الحرفية وحتى المتشددة للدين، وقد يصل بهم التطرف إلى استخدام العنف من أجل تحقيق اهدافهم وقضاياهم ... أما التكفيريون فينطلقون من النقاط نفسها، ولكنهم يتميزون عن السلفيين في اعتقادهم أن أي مسلم لا يشاركهم في عقائدهم هذه "مرتد"، ويُباح - بل يجب – قتله.
هل تراجعَ الإسلام مطلع القرن الحادي والعشرين عن مشروعه الحضاري، وغابت الشخصية العربية الواثقة والسويّة والمطمئنة والقوية والحاضرة والمتبصرة والثائرة والملتزمة، وذلك لمصلحة ردود الفعل والإنفعال والإنتقام والغوغائية والإرتباك وفقدان الثقة والتكفير والتهجير والقتل والترهيب والتخوين؟
علينا أن نجيب حول التكفيريين لأجل مستقبل العالم، لأن التكفيريين هم الآن، وفي المستقبل، حين ينتعشون أكثر، سيكونون الصاعق الذي سيبعثر الداخل العربي والاسلامي والعالمي.
كما يجب أن نُحدد علاقة الحركات التكفيرية بالوطن والمواطنة، وفهمها للدولة في المجتمعات التي لا تُطبق فيها الشريعة الإسلامية، أو في المجتمعات المتنوعة دينياً وثقافياً، وقد ازدادت صعوبة هذه الأسئلة مع تفشي دور التيارات التكفيرية وتقديمها لنموذجها في السلطة، أو في محاولة فرض دولتها وأحكامها بإسم الإسلام على من لا يؤمن بمنهجها سواءً كان من المسلمين، أم كان من غيرهم من أصحاب الديانات والمذاهب الاخرى، وما جره هذا النموذج من سلبيات كثيرة على صورة الاسلام وشريعته في الحياة.
وأضيف أخيراً، أن التطرف ناتج عن فكر معوج ، فلا يقاوم ولا يعالج الا بحوارٍ سليم، وفكر مستنير، إبتداءاً من مرحلة التطرف الاولى.
اللهم اشهد اني بلغت
المصدر "قناة الميادين