كمال زاخر
21 ـ "وبارك وقال ... هذا هو العهد الجديد بدمى"
العهد هو ذلك الاتفاق المبرم بين طرفين أو أكثر، وقد أبرم العهد الأول بين الله والإنسان، والذى صار الإنسان بموجبه محل حماية وعناية الله، فى مقابل التزامه بطاعة الله والثقة فيه، ويسمح العقد للإنسان أن يسأل ويستوضح ما غمض عليه، وكأى عقد كان له شروط جزائية قبل بها الإنسان، ونُشرت بنود العقد فى الصفحات الأولى لسفر التكوين، بعد تمهيد مفصل لنشوء العلاقة بين الطرفين، وإعلان حالة الرضا والقبول بما جاء فيه، ولم يكن عقد اذعان، بل كان مداده الحب الإلهى، ولم ينقطع الحوار المفعم بالود والحميمية بين طرفيه. حتى أخل الإنسان بشروطه، فكان العصيان وكان الإنفصال وكان السقوط.
لتبدأ ملحمة افتقاد الله للإنسان، التى توثقها وتسجلها اسفار العهد القديم، ويجدد الله عهده فى إعلان مع ابراهيم، تتبين فيه ملامح خطة استعادة العلاقة الحميمية وعودة الإنسان إلى "رتبته الأولى"، التى تتحقق فى التجسد الإلهى والذى تتبدى معه الفصول الحاسمة لرواية المحبة، وفيها يتجدد العهد موقعاً بدم الفادى، وموته وقيامته وصعوده، وعبر التجسد تنتقل إلينا كل فعاليات الموت والقيامة والصعود، والحياة الجديدة.
يقول الكاتب "فى العهد القديم كانت المجازاة لكل من سمع كلمات الرب ووصاياه، بركات فى النسل وبركات فى الحقل وبركات فى الحظيرة وبركات فى البيت، بركات فى السلم وبركات فى الحرب."
ويستطرد "لم يكن هذا أمراً عجيباً، فالخليقة لا تزال أبداً محتفظة ببركتها التى باركها بها الله يوم خلقها، وهى لا تزال رهن إشارة الله، تعطيها لمن حلت عليه بركة الله وانفك من اللعنة الأولى. أما اللعنة التى استعلنت قديماً بالأمراض والآفات والإخفاقات، فقد أصابت الخليقة لما أصابت الخطية الإنسان وأسقطته. وهى لا تزال تنتظر عتقها من الفساد، عندما يفوز الإنسان أخيراً بفداء الجسد".
لكن هذه البركات الكثيرة فقدها شعب اسرائيل "ولم تدم عليه لأن أُذنيه ثقلتا عن سماع الرب وعينيه زاغتا وراء الشهوات والمحرمات، احتقر الوصية، وداس العهد، وأهان اسم القدوس فى الباطل، ورفض "المسيا" رجاء إسرائيل الوحيد الذى عليه بركة الدهور كلها."
• عهد جديد لغفران الخطايا
جاءت بركة الرب يسوع أسمى "فحينما أخذ الرب الخبز على يديه ليبارك، لم يطلب بركات للأرض والبركات لخبز الأرض، وحينما أخذ الكأس على يديه، لم يبارك الكرمة، ولم يبارك نتاج الكرمة، ولم يبارك الرب الأرض المشتهاة ـ أرض فلسطين التى تفيض لبناً وعسلاً ـ ... ولا بارك عهد الختان الذى ختمه على لحمهم، ولا بارك مملكة بيت داود للتسلط على كل الأمم ...
لكنه قال بركته الجديدة على الخبز: هذا جسدى المكسور كُلُوه. وقال بركته الجديدة على الخمر: هذا دمى المسفوك لأجلكم ولأجل كثيرين اشربوه، (هذا هو عهدى الجديد معكم لغفران الخطايا ... إصنعوا هذا لذكرى، وسأشربه معكم جديداً فى الملكوت الآتى)"
ـ بركة فى جسد مكسور ودم مسفوك.
ـ بركة فى الرب يسوع مشتهى كل الأمم الذى قدم جسده ودمه ذبيحة فداء لأجل حياة العالم كله.
ـ بركة لغفران الخطية.
ـ بركة فى عهد مختوم على القلب بدم ابن الله.
ـ بركة فى عهد جديد (بالروح القدس) يربط الإنسان بالسماء.
ـ بركة صارت فى ملكوت الله لخلاص كل الشعوب.
"لقد أعاد الرب يسوع إلى الإنسان لا البركة المادية المفقودة بالخروج من أرض الفردوس، بركة الأكل بالراحة والشرب بالمسرة والصحة والقوة والتسلط على الخليقة، بل البركة الروحية المفقودة بالخروج من أمام وجه الله!!"
ـ "بركات العهد الجديد هى استعادة نور الله فى وجه المسيح الذى أعطانا جسده ودمه (عربون) التواجد اادائم مع الله فى ملكوته، هى بركة ليست على الأرض بل فى السماء هى فى المسيح (مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح الذى باركنا بكل بركة روحية فى السماويات فى المسيح ـ أف 1 : 3)."
يعود بنا الكاتب فيربط هذه البركة بالإفخارستيا فيقول "حينما اعطانا الرب جسده ودمه فى الإفخارستيا، وهبنا القوة والقدرة ومفتاح السر المخفى المؤدى إلى طريق الأقداس لنعبر به من العالم ـ بالخبز والخمر ـ بل بالجسد والدم، إلى السماء، إلى الله.
ويشير الكاتب إلى التفاعل بين الإنسان والعالم والله، تفاعل يتجلى فى الإفخارستيا التى فيها نقدم انفسنا والعالم كله لله "فى ذبيحة المسيح" ليجمع الكل فى ملكوته.
يقول "فى القداس نصلى من أجل الهواء والمطر والزروع والعشب ونبات الحقل وكل شجرة مثمرة والمياه والينابيع والأنهار والمدن والجزائر والأديرة والكنائس والملوك والرؤساء ومداخلنا ومخارجنا ومن أجل شفاء أمرضنا، ليباركها الرب، ليكون لنا فيها وبواسطتها شركة مع الله وسلام."
"لا لكى نأكل منها ونشبع ونتقوى وتملك أيدينا ويتسلط سيفنا، بل لتتجلى فيها رحمة الله علينا .. فى كثرتها وقلتها يتجلى تدبير الله ومسرة مشيئته نحونا، مكتفين منها جميعاً على أحسن وجه بالكفاف "إذ يكون لنا الكفاف فى كل شئ، كل حين، نزداد فى كل عمل صالح" (أوشية الثمار) ... "إن كان لنا القوت والكسوة فلنكتف بهما" (1 تى 6 : 8)."
ويعقد الكاتب العديد من المقارنات بين بركة العهد القديم وبركة العهد الجديد ينتهى منها إلى "أننا نأخذ ليس الخبز والخمر فقط على المذبح من يد المسيح مختوماً بيد الآب والروح القدس، لنأكله جسداً حقيقياً ودماً حقيقياً، بل وأيضاً نأخذ كل شئ من يديه، ففى الإفخارستيا نأخذ كل شئ فى هذه الحياة وكل أعمالها ومهامها، حتى أحزانها ودموعها وأمراضها وقلقها وظلمها، نأخذه من يدى المسيح مختومة بالصليب، نأخذه كجزء لا يتجزأ من إفخارستيا الأبدية، فيختم علينا الله بختمه كما يختم على ذبيحة المسيح: "من أجلك نُمات كل النهار، قد حُسبنا مثل غنم للذبح ـ رو 8 : 36".
ويوضح الكاتب معنى الختم "هذا الختم تشير إليه قوانين الرسل أنه هو المذكور عنه فى سفر الرؤيا "من يغلب فسأعطيه أن يأكل من المن المُخْفَى وأعطيه حصاة بيضاء، وعلى الحصاة اسم جديد لا يعرفه أحد غير الذى يأخذ ـ رؤ 2 : 17ـ باعتبار أن الحصاة هى الجوهرة أو جزء الجسد (الذى عليه ختم واسم المسيح ينظره من يأكل)".
ثم يتساءل الكاتب : أليست هذه أيضاً بركة العهد الجديد؟.
يتبع.