قال الدكتور نوح عبد الحليم العيسوي، إن من فضل الله تعالى على عباده أن جعل لهم مواسم للخيرات، تضاعف فيها الحسنات، وتتنوع فيه الطاعات، وترفع فيها الدرجات، وأن من هذه المواسم والأيام العشر الأول من ذي الحجة والتي ينبغي على المسلم استثمارها في زيادة الأعمال الصالحة وصلة الأرحام وتفعيل التماسك والترابط الإجتماعي ومساعدة الفقراء والمحتاجين التي تعمل على زيادة الترابط المجتمعي.
جاء ذلك في ندوة للرأي التي تنظمها وزارة الأوقاف بالتعاون مع الهيئة الوطنية للاعلام وقطاع القنوات المتخصصة بالتليفزيون المصري في إطار الدور التوعوي الذي تقوم به الوزارة، والمشاركات التثقيفية والتنويرية لقضايا الدين والمجتمع التي تسهم في بناء الإنسان، وملف تجديد الخطاب الديني، وتحت رعاية وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة حيث عقدت الندوة تحت عنوان: " فضل العشر الأول من ذي الحجة " وشارك فيها كل من: الدكتور نوح عبد الحليم العيسوي وكيل الوزارة لشئون المساجد والقرآن الكريم، والدكتور صـبري حـلمي أبو غياتي مـديــر عـام الـمـسـاجـد الـحـكـومـيــة، وقام بإدارتها الإعلامية رشا عبد الرحمن.
وأكد الدكتور نوح عبد الحليم العيسوي أن من فضل العشر الأول من ذي الحجة عظيم الشأن لما لها من منزلة خاصة في القرآن الكريم لما تتعلق به من أعمال حج وتضحية بالنفس والمال والولد في سبيل الله وامتثالا لأوامره سبحانه وتعالى، حجة، مشيرًا إلى أن الله (عز وجل ) قد أقسم بها تنويهًا بشأنها وفضلها، وإرشادًا لأهميتها ومكانتها ومنزلتها، قال تعالى: {وَالْفَجْرِ* وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ}، حيث ورد عن النبي (صلى الله عليه وسلم ) أنه قال في تفسير هذه الآيات ( العشر: عشر النحر، والوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر)، موضحًا أن الله (عز وجل) أمر عباده بكثرة ذكره فيها، وذلك إعلامًا بفضلها، وإظهارًا لشعائرها.
وأشار العيسوي إلى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد وجه المسلم إلى الأعمال الصالحة في هذه الأيام، لأن العمل الصالح فيها أحب إلى الله (عز وجل ) من العمل فيما سواها، فيقول النبي ( النبي صلى الله عليه وسلم ): "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهَا أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ" يَعْنِي الْعَشْرَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: " وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ"، مشيرًا إلى أنه على رأس الأيام التي يجب على المسلم اغتنامها في هذه الأيام يوم عرفة، فهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، قال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}، وهو يوم مغفرة الذنوب، وستر العيوب، والعتق من النار، والمباهاة بأهل الموقف، يقول ( النبي صلى الله عليه وسلم ): ” ما مِن يومٍ أكثرَ مِن أَن يُعتِقَ اللهُ عزَّ وجلَّ فيه عبدًا مِن النارِ مِن يومِ عرفةَ، وإنَّه لَيدنو عزَّ وجلَّ ثم يُباهي بِهم الملائكةَ ".
واضاف العيسوي: أن من أعظم الأعمال الصالحة في هذه الأيام صلة الأرحام، فهي قيمة عظيمة من قيم الإسلام التي حث عليها، ليعيش المجتمع كله في أمن وأمان وسلم وسلام، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): ” إِنَّ اللَّه تَعَالى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قال: فذَلِكَ لَكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه ( صلى الله عليه وسلم ): اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: ” فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ”، مشيرًا إلى أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حث على صلة الأرحام , وأنها تطيل العمر , وتوسع الرزق , وتزيد التماسك والترابط المجتمعي، وترسخ قيم المحبة والمودة والعيش المشترك بين البشر جميعًا، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): ” مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ”، مبينًا أن صلة الرحم لها أبواب خير كثيرة: فتكون بزيارة الأهل، وبالكلمة الطيبة، والابتسامة مما يزيد في الألفة ويقوي المحبة والتراحم والتكافل بين ذوي الرحم والقرابة، وأنه لا بد من بث روح التسامح والمحبة بين أفراد المجتمع.
من جانبه، قال الدكتور صـبري أبو غياتي أن الأعمال المشروعة في هذه الأيام المباركة (أيام العشر من ذي الحجة) كثيرة ومتنوعة، منها: الصوم: فهو من أفضل الأعمال، مشيرًا إلى أنه يسن للمسلم أن يصوم التسع من ذي الحجة، فصومها من الأعمال المحببة إلى الله تعالى، وخاصة صيام يوم عرفة لغير الحاج: فقد خص النبي (صلى الله عليه وسلم ) صيامه من بين أيام العشر، حيث قال: “صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالَّتِي بَعْدَهُ ”، ويوم عرفة يوم من أيام الله المشهودة التي يتجلى الله (عز وجل) فيها على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ).
وأشار أبوغياتي إلى أهمية مساعدة المحتاجين والفقراء، وكثرة التكبير والتحميد والتهليل والذكر من الأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة؛ لقوله سبحانه: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ }، ويقول النبي (صلى الله عليه وسلم ): مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ عَمَلٍ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ أَيَّامِ الْعَشْرِ فَأَكْثِرُوا فِيهن مِنَ التَّهْلِيلِ وَالتَّكْبِيرِ والتحميد).
كما أكد على أن من الأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة الإكثار من الصدقة، لإدخال الفرح والسرور على الفقراء والمحتاجين، حتى ينعم الجميع بالسعادة في هذه الأيام، مشيرًا إلى قول النبي (صلى الله عليه وسلم): «مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فِي الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يومِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ عَوْرَةَ مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُسْلِمٍ، يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاللَّهُ فِي حَاجَةِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ».
وفي ختام كلمته بين أن من رحمة الله بعباده أن جعل المتخلف لعذر شريكًا للسائر كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم): لما رجع من يوم تبوك: "إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم خلفهم العذر ".