الكاتب والمفكر الإماراتي على محمد الشرفاء
رسالة الإسلام، أرسلها الله سبحانه للناس، وكلف بها رسوله الأمين – صل الله عليه وسلم -لينشر المحبة، العدل، الرحمة، والسلام بين عباده، ويبين لهم طريق الخير والسعادة فى الحياة الدنيا ليطمئنوا فى حاضرهم، يأمنوا على مستقبلهم، ويؤمنوا أن الله سيرزقهم من حيث لا يحتسبون، ومن ثم يتعاملون مع بعضهم البعض بالإحسان، التعاطف والتكافل، غنيهم يساعد فقيرهم؛ بغض النظر عن دينه، لونه وجنسه، ويرفق قويهم بضعيفهم، ويعين المظلوم على الظالم، ويقف مع صاحب الحق حتى يرجع له حقه، ويُحرم الاعتداء على حرمات الناس من معابد، أو كنائس، أو أموال، أو أملاك خاصة.
وعندما كلف الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم بتبليغ رسالته لعباده؛ حدد له الوسيلة الوحيدة التى يؤدي من خلالها مهمته، ويُوصل خطاب الله للناس بقوله سبحانه وتعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ".. (سورة النحل.. الآية -125)، كما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم بمنح الإنسان الحرية الكاملة في اختيار الدين أو العقيدة التى يؤمن بها في قوله تعالى:" وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا ۚ وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ ۚ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا"..( سورة الكهف.. الآية – 29(.
كما خاطب رب العزة جل شأنه رسوله الأمين بقوله سبحانه وتعالى: "رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ ۖ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ ۚ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا".. (سورة الإسراء.. الآية 54)، وفيها تنبيه للرسول – صل الله عليه وسلم - بأن الله يحاسب عباده كيفما يشاء، ولم يُرسل الرسول الكريم وكيلا عنه، أو وصيا على عباده، بل عليه البلاغ، والله تعالى هو من يختص بالحساب، تلك هي القواعد التى وضعها الله جل جلاله لرسوله الكريم، وحدد أسلوب الدعوة لعباده باتباع دين رسالة الإسلام، وعلى المسلمين أن يتبعوا نفس المنهج الدعوي الذي كلف الله به رسوله الكريم.
كما وضع المولى عز وجل قواعد للناس جميعاً في طريقة التعامل بينهم، وحرم عليهم الاعتداء على بعضهم بعضاً لأي سبب من الاسباب إلا فى حالة الدفاع عن النفس، حيث وضع الله سبحانه وتعالى قاعدة هامة، يحدد من خلالها التعامل فى حالة الدفاع عن النفس بقوله سبحانه وتعالى: " وَقَٰتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓاْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ".. (سورة البقرة.. الآية- 190)، حكم عام لكل البشر، لم يمنح الله حقاً لأي من عباده بالاعتداء على الآخرين بأي مُسمى، سواءً أكان ذلك باسم الاسلام، أو بأي حجة كانت، ولذلك لم يأمر رسوله الكريم بغزو الدول، واستحلال أملاكهم، وقتل أبنائهم، وتشريد شعوبهم باسم الفتوحات الاسلامية.....!!
لأن الله حرم الاعتداء على الناس بكل أشكاله، إنما تلك الحروب والغزوات المُسماة – ظلماً وعدواناً – بـ "الفتوحات"، إنما هي جريمة ارتكبت فى حق الاسلام، وكانت لها أهداف سياسية ومصالح دنيوية، وظفوا الاسلام - الذى يدعو للرحمة، العدل، السلام والحرية - ليحولوه أداة لاستعمار الأوطان، واستلاب حقوق الناس وترويعهم، والله يخاطب رسوله الكريم بقوله:" وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ".. (سورة يونس.. الآية - 99).وهذه الآية الكريمة تُسقط كل حجج الذين وظفوا رسالة الاسلام فى استعمار الدول العربية والغربية، وقتل ابنائها، وسفك دماء الأبرياء، وتشريدهم من ديارهم، فيقول الله سبحانه وتعالى:" لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ".. (سورة الممتحنة.. الآية –.وهذه آية أخرى تؤسس لقاعدة سامية، وتبين عظمة الاسلام ورسالته فى أن يتبع المسلمون هذه الآية ليضربوا مثلا للمعاملة الإنسانية الراقية، ويطبقوا العدالة والرعاية لكل مجتمع مسالم دون المساس بحقوقه أو ترويعه أو الاعتداء على ممتلكاته، وهنا نطرح السؤال التالي: أين أصحاب الفتوحات الكاذبة، والمحرفة لرسالة الإسلام، رسالة السلام للبشرية جميعا؟!
نضف على ما سبق أن الله سبحانه وتعالى بين لنا فى قرآنه العظيم تحريم الاعتداء على معابد الناس، وتحويلها إلى مساجد للمسلمين، وذلك تحدى لأمر الله ومقاصد آياته بالتعامل بالحسنى، ونشر السلام بين الناس، والمرء هنا يتساءل أيضا: هل معركة "الجمل" كانت من أجل الاسلام؟!.. وهل معركة "صفين" - التي قُتل فيها المئات من الصحابة من أجل الاسلام - هل القتال الذي وقع بين العباسيين والأمويين له علاقة بالإسلام؟!.. وهل احتلال العثمانيين للدول العربية، والدول الاوروبية، له علاقة بالإسلام؟!
إن كل تلك الحروب سيحاسب الله سبحانه وتعالى مرتكبيها بما سفكوا من دماء الأبرياء، وتدمير أوطانهم، وحينما نشاهد اليوم تلك الجرائم التى ارتكبها "أردوغان" - الخليفة العثماني الجديد - من تدمير للمدن السورية، وقتل الأطفال، وتشريد ملايين المواطنين من الشعب السوري، هل له علاقة بالإسلام؟.. وهل احتضان "أردوغان" لفرق الإرهاب وتجنيد المرتزقة لاحتلال آبار البترول والغاز فى ليبيا، وارسال ميلشياته ومرتزقته لنشر الخراب فى هذا القطر الشقيق ونهب ثرواته، هل ذلك من الإسلام؟!
وهل هذا الـ "الأروغان" قرأ القرآن واتبع آياته التي تُحرم الاعتداء على الأبرياء، وتُجرم عمليات التخريب والتدمير؟!.. وهل من الاسلام أن يُحول كنيسة للإخوة المسيحين (آيا صوفيا) بإسطنبول إلى مسجد؟!.. هل يريد خداع المسلمين بهذا العمل المُشين الذي يشوه صورة الاسلام، ويسئ إلى رسالته؟!.. إن "أدوغان" يؤكد بذلك الإجراء أنه عدواً للإسلام، ومخادعاً للمسلمين، وممن قال الله تبارك وتعالى فيهم مخاطبا رسوله - عليه الصلاة والسلام : "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا".. ( سورة الكف.. الآيتان 103 و104)، كما تنطبق علي "أردوغان" تلك الآية الكريمة التي يقول فيها رب العزة:" يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ".. (سورة البقرة.. الآية – 9)