رباب كمال
كنت أتعرض لتنمر شديد بسبب الوزن و قد شارف يوما على 120 كيلو ، حتى في مجتمع المثقفين و المفكرين أو من يطلقون على أنفسهم ذلك ، و من ناس صدعت رؤوسنا عن حقوق المرأة و الإنسان على التليفزيون و في الندوات مع رفع شعارات رنانة كانت تثيرني ضحكا بعدما كانت تثير حماستي إليهم...
ومن ناحية أخرى و كوني أكتب في مجال مزعج يصنفه البعض تحديا لقيم الأسرة و الموروثات و على الرغم إن كتاباتي بحثية أكثر منها صوت عالي و انتشار سريع ، إلا أن غالبية الرسائل ممن يغارون على تدينهم كانت تردني ما بين التهديد الجسدي و ما بين سيل الشتائم بسبب الوزن و أحيانا تهديدات رقع قضايا ضد القلم الذي يعبث بالقيم، أو تهديد دائرة مقربة لي على يد صاحب نفوذ بإنهم لن يحققوا شيئا طالما هم في رحاب معارفي .
و هي رسائل و مواقف كانت سببا في استكمال ما أكتب و ليس الانسحاب...بل كل ذلك كان سببا في إدراكي القوة التي كنت أتخيلها شيئا عاديا...
كان الموضوع أشبه بالمطرقة و السندان....
لكن الأكثر ألما من المتعصبين و المتطرفين ، كانت سخافات من أطلقوا على أنفسهم مثقفين و مفكرين...
لكن تعاملت مع التنمر بشيء من الثقة...في كل الحالات سواء وردت من مدعي الإيمان أو مدعي التحرر
الخطأ الذي وقعت فيه هو الاعتقاد أن الوزن يمنع التحرش و المضايقات...لكنه فقط سببا للتنمر و سأتعامل مع التنمر.
الوزن لم يمنع محاولات التحرش و المضايقات في مجتمعات تتدعي الثقافة و الفكر ولا مجتمعات تدعي التقية و الإيمان ، و بعد فترة أدركت إن التحرش لا علاقة له بالإنجذاب، هو شكل من أشكال محاولات الحط من القدر....
البدانة اتضح إنها قضية مجتمعية تعاني منها المرأة أكثر من الرجل، فتحولت بدون قصد لقضية نسوية...
بسبب هذه المشاعر، دخلت في دوامات محاولة إنقاص الوزن بأي شكل و بسرعة لدرجة التفكير يوما في إجراء جراحة...
سأفتح بطني و أقص معدتي و أدبسها هربا من التنمر و المضايقات الجسدية .... أي تفكير هذا لمن تدعي السعي لتحدي الموروثات التي نشأت عليها...؟؟؟؟ نعم الجراحة ضرورية لأسباب صحية لكني لست مريضة لدرجة إجرائها...
عدلت في اللحظات الأخيرة عن القرار منذ أربع سنوات....
في يوم قررت تقبل ذاتي، و تقبل الذات لا يعني تقبلي لجسد يعاني من الأزمات الصحية، لكن تقبل النسخة الصحية مما سيكون عليه جسدي حين أفقد الدهون المتراكمة، فلا أسعى أن أشبه نجمة أو موديل... فأنا سأتقبل نفسي غير المثالية ، لكن سأسعى أن أكون أفضل مما عليه الأمس..
العلم كان الملاذ، لم أبحث عن أنظمة لفقدان الوزن، بحثت عن علاقة التغذية و الرياضة بالكيمياء الحيوية، كيف نفقد الوزن بدون تسرع و بشكل طبيعي و بدون إنهاك أجسامنا تجويعا...
ما هو دور هرمون الجوع و الشبع و الانسولين و هرمون الضغط النفسي... و استمتعت برحلة التنوير أكثر مما استمتعت ببلوغ حاجز فقدان ال 45 كيلو في رحلة سنوات و فقدان وزن بطيء...
سأكتب يوما عن التجربة...
ليس تجربة فقدان الوزن و جني عضلات صحية فقط، ولا عن تجربة التوقف عن دواء مرض السكر من نوع ثاني تحت إشراف طبيب بعد تحسن وظائف جسدي و بناء علاقة صحية مع الطعام ، لن أكتب عن جسد مترهل فقط تحول إلى جسد رياضي بدأت العضلات ترتسم على تفاصيله ...بل سأكتب عن مجتمعات مترهلة تستخدم التحرش و التنمر و الإهانات للنيل من معاناة الآخر....مجتمعات تدعي التقية و أخرى تدعي التنمر...
الكتابة لن تكون مشخصنة، بل بحثية تدرس تلك الاضطرايات السلوكية و كيفية النجاة منها...
لا شكر للمتحرشين ولا المتنمرين...نجونا و سنسعى لمساعدة المزيد من الناجيات...و لا أقصد هنا من مسإلة الوزن....القصة كانت مثلا و ليست اختزالا لما نتعرض له....
صباحات الإرادة
و كل الحب لمن أعطانا الحب و الإنسانية ♥️
نأسف للإطالة و الإزعاج