عاطف بشاي
أمسك مولانا التقى «يوسف الشريف» بعصا هيئة الوصاية على الأخلاق الحميدة والسجايا العطرة.. وحمل لواء الشروط الواجب توافرها لفرض السينما النظيفة والدراما المعقمة وجميع الفنون المؤمنة تمييزًا لها عن الفنون الكافرة انتصارًا للفضيلة التى تبكى وتنتحب من جراء اجتراء الفكر الانحلالى عليها واعتداء الملاعين من الفنانين والفنانات إخوان الشياطين على ثوبها الطاهر.. واعتبار القبلات الفنية على الشاشتين.. والأحضان ومجرد اللمس من الكبائر التى لا تغتفر.. هى وكل ما يمكن أن يتبعها من أحكام أخلاقية بنواهٍ دينية على مصنف فنى.
ولعل ذلك يذكرنا بوقائع كثيرة تمت أثناء حكم الإخوان تكرس لذلك المفهوم المتخلف، ولعلنا نتذكر المحاولة التى تمت تحت قبة البرلمان بأغلبية إخوانية لوأد حرية الإبداع بتشكيل لجنة دينية تقوم بدور الرقابة على الأعمال الدرامية التى تعرضها الشاشات التلفزيونية بحذف كل المشاهد التى يرونها- من وجهة نظرهم- تناهض تكريس قيم الأخلاق الحميدة وشيوع الفضيلة فى ربوع يوتوبيا الأرض الطيبة.. أما رئيس مجلس الشورى وقتها فقد أدى واجبه وطالب بمنع عرض فيلم بطولة الفنانة «نيللى» فى الطائرة التى استقلها أثناء رحلة للسودان.. حيث اشتبك فى مشادة كلامية مع طاقم الطائرة وعنفهم على أداء «نيللى» لمشاهد ساخنة فى الفيلم.. إزاء ذلك اضطر قائد الطائرة إلى رفع الشاشات من أمام سيادته ورفاقه حيث ارتدى عباءة تهذيب الفنون.. وأعلن ضرورة ضبط وتقنين الشروط الواجب توافرها لفرض السينما الفاضلة التى تدعو إلى مكارم الأخلاق.. كما لا يمكننا أن ننسى ما قام به ظلامى تكفيرى بوصم الفنانة «إلهام شاهين» بالفجور وارتكاب الفحشاء على الشاشة.. فى خلط شائن بين أدوارها الفنية وبين سلوكها فى الواقع.. وكان مصيره السجن.
وظل الظلاميون من فقهاء المصادرة ومحترفى التحريم والتجريم يطلون علينا بعيونهم الزجاجية يعقدون محاكم التفتيش لخنق الحريات وتجريم المبدعين والتنقيب فى قلوبهم وصدورهم لضبط كوامن الانحراف الأثيم ونوايا النفس الخبيثة سعيًا إلى ردة حضارية تشمل الفن والثقافة والحياة.
لقد كنا فيما مضى نحتمى بالمثقفين والفنانين فى التصدى لدعاة التخلف وأعداء التنوير الذين لا يفرقون بين الخطاب الأخلاقى والدينى وبين الخطاب الفنى.. والذين لو انسقنا وراء تخلفهم لحطمنا التماثيل واللوحات العارية وحرقنا مسرحيات «شكسبير» وروايات «دستويفيسكى» وقصص «تشيكوف» وكتب «البير كامى» و«سارتر» وروايات «نجيب محفوظ» و«يوسف إدريس» وكتب الفلسفة وكل إبداعات التراث الانسانى.. ولضممنا السماك الذى طعن «نجيب محفوظ» فى رقبته فى خندق واحد، ولسادت ثقافة الهكسوس ولطلت علينا آثار العهد المملوكى فى التفكير ولتوقف الإبداع.
أقول إننا كنا نحتمى بالمثقفين والفنانين الكبار فيما مضى للدفاع عن الفن.. وأذكر أنه فى سنوات الغربة والوحشة والوحدة والتعاسة التى عاشتها «سعاد حسنى» فى لندن قبل رحيلها الفاجع.. والتى عانت فيها آلام المرض وضيق ذات اليد.. بعد إنهاء قرار علاجها على نفقة الدولة.. فى سنوات الغربة تلك انتهزت الفرصة فيها بعض المعتزلات للفن- واللاتى حرصن على تجريمه وارتداء الحجاب- والانقضاض عليها فى عزلتها وطلبن منها التوبة واعتزال الفن.. فرفضت زاجرة وقالت لهن فى حوار منشور فى كتاب «السندريللا تتكلم» لمؤلفه «منير مطاوع» إن الله جميل يحب الجمال.. والفن خطابه جمالى.. ومن ثم ليس حرامًا.. والفنان صاحب رسالة سامية لا تتناقض مع رسالة الفن المقدسة وأخبرتهن أنها نمت منذ نعومة أظافرها على صوت قيثارة السماء الشيخ الجليل «محمد رفعت» صاحب الصوت الذهبى وهو يغنى لأم كلثوم «رق الحبيب» وغيرها من أغانيها القديمة فى سهرات رائعة بمنزلهم.. حيث يتحلق حوله الأهل والأحباب والأصدقاء يستمتعون بعذوبة صوته وجمال شدوه.
وإذا كانت تلك الفنانات قد أوضحن فى دعوتهن «لسعاد حسنى» رغبتهن فى الحذو حذوهن.. فهن فى النهاية لم يقدمن على ذلك إلا بعد اعتزالهن وتحديد موقفهن النهائى من الفن.. ونحن نحترم رغبتهن فى اختيارهن.. وإرادتهن الحرة فى تقدير مصيرهن.. لكن المفارقة الرديئة التى تفرض نفسها هى تلك التى يطل علينا فيها ممثل شاب مازال يمارس نشاطه الفنى ولم يعلن اعتزاله ليقوم بدور داعية يضع شروطه الأخلاقية ليفرضها على المؤلف والمخرج والمنتج والجمهور!!.. بل إن المفارقة الأكثر سوءًا هى جهله «بماهية الفن» ومعناه ومغزاه ودوره وفلسفته وجدواه.. وجهله برسالة الفنان الحقيقية.
صدق «توفيق الحكيم» حينما قال: «الفن واسع وعقول الناس هى الضيقة».
نقلا عن المصرى اليوم