د. محمود العلايلي
أعلنت رنيم الوليلى، المصنفة الأولى على العالم فى لعبة الاسكواش، اعتزالها، وذلك لبدء مرحلة جديدة من حياتها، معربة عن سعادتها لمشوار استمر لمدة 25 سنة مع الاسكواش، وأعربت عن أنها ستفتقد أسرة الاسكواش الكبيرة، كما ستفتقد جو المنافسات، ورنيم الوليلى، الملقبة بـ«النجمة»، ليست فقط الأولى عالميا، ولكنها كابتن منتخب مصر للسيدات، والحائزة على بطولة العالم للفردى وللفرق أيضا.
والحقيقة أنه بقدر الاحترام لقرار بطلة بحجم «رنيم»، بقدر ما يجب أن نسلط النظر على الحالة التى تمثلها رنيم، فرنيم وإن كانت الأولى فإن هناك تسع بطلات مصريات غيرها ضمن العشرين الأوائل على العالم حاليا، وهو ما لا يجعل هناك أى قلق على حيازة بطولات الاسكواش فى المستقبل القريب، بالإضافة أنه يصحح مفهوما سخيفا طالما تردد عن نوعية الأداء الرياضى المتراخى للبنات المصريات، لأن الاسكواش رياضة تستلزم القوة والسرعة والحماس والتحمل والذكاء، وهى أمور عكس ما تم الترويج له طوال عقود لتبرير أو تغطية إخفاقات رياضية أو أوضاع اجتماعية.
وبالطبع فإن نجاح سيدات الاسكواش لا ينفى نجاحات نسائية أخرى فى رياضات مختلفة، ولكن الفارق هو الاستمرارية والعدد والهيمنة الدولية على مقادير اللعبة على مستوى الناشئات والناشئين والرجال أيضا، فبعد المايسترو عمرو شبانة والأسطورة رامى عاشور، اللذين تتابعا على احتلال المراكز الأولى، أصبح الآن لمصر أحد عشر لاعبا ضمن العشرين الأوائل على العالم، مما يسترعى النظر إلى حالة الاسكواش المصرى، حيث نجد أنه نموذج عملى لكيفية عمل السوق الحرة بكل آلياتها ومعاييرها دون أى تدخل من الدولة، إلا من الإشراف الإدارى المنضبط لاتحاد اللعبة، والتكريم أحيانا عند الفوز بالبطولات الكبرى، فالمنافسة على التفوق والنزعة الفردية للفوز خلقا مجالا لصناعة مهمة حازت لنفسها مساحة واسعة فى سوق الرياضة المصرية، فزاد عدد الملتحقين بنوادى وأكاديميات الاسكواش بشكل ملفت، مما خلق قاعدة واسعة من الناشئين، التى أدت بالتالى إلى ضخ كم هائل من رؤوس الأموال فى اقتصاديات هذا النشاط المتنامى، وعلى ذلك فقد تطورت الملاعب وانتشرت، والأهم أن هذه السوق قد دفعت المدربين للعمل على تحديث أساليبهم وتنمية مهاراتهم الفنية ليكونوا على قدر المنافسة فى سوق التدريب المحلية، أو على مستوى الإشراف على اللاعبين الدوليين والعمل فى الدول المختلفة، وتسابق العديد من البنوك والشركات المحلية والعالمية لرعاية هؤلاء الأبطال والمشاركة فى تحمل نفقاتهم، مما فتح أسواقا جديدة للتسويق الرياضى لم تكن متوفرة من قبل.
إن حالة الاسكواش المصرى لا يجب أن تؤخذ فقط من باب الفخر بتسيد أبطالنا للعبة دوليا، ولكن أيضا من باب الدراسة عن كيفية تطبيق هذا النموذج على قطاعات أخرى وليس فى الرياضة فقط، حيث تترك السوق يحركها العرض والطلب، ويقوم بتحفيز تلك السوق الرغبة فى التحقق المعنوى والمكسب المادى، كما تعتمد هذه السوق على جودة الخدمة المقدمة التى يحكم عليها نتائج اللاعبين وأداؤهم المحلى، ثم إمكانية وصولهم للمستوى الدولى، حيث يظل ما يصنع الفارق بين البشر هو تنافسهم على التفوق وليس المحاباة والتفضيل، ويظل معيار تفوقهم هو المجهود المبذول للوصول لذلك وليس الوساطة والتدليس، ويظل تحمل المسؤولية الشخصية هو الدافع للنجاح وليس المساعدات الخفية والتنطع، بينما يقدر نجاح المؤسسات الاقتصادية بقدرتها على جنى الأرباح والاستمرارية وليس بالإطراء المزيف فى عناوين الصحف وصفحات الإعلانات.
وفى النهاية نعود لنحيى «النجمة» رنيم الوليلى على مشوارها المحترم، وإن كنا وددنا أن يقام احتفال يليق بهذه اللاعبة الماهرة الخلوقة والمتواضعة، وإن اتخذنا المناسبة للاحتفاء بها وبزميلاتها وزملائها وبتسليط النظر على مقومات نجاحهم وتميزهم، حيث أكد الاسكواش المصرى ببطلاته وأبطاله «أن كل شىء ممكن».
نقلا عن المصرى اليوم